للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأي فتنة وهوى أعظم من أن يرى صاحب البدعة نفسه قد سبق إلى فضل قصر عنه النبي والسابقون؟ وفتنةٍ تسلل بها إلى القلوب اتهام النبي أنه لم يُبَلغ بعضا من الدين، ولم يبينه للعمل به! ولمزٍ للصحابة بالغفلة والنقص وهم الذين سماهم الله "السابقين" إلى كل خير و"الأولين" فيه وإليه .. ! وأي فتنة أعظم من بدع أورثت القلوب شكا في دلالات القرآن والسنة .. حتى رأوا المحكمات (الظواهر) التي هي أغلب أنواع الأدلة محتملات لا توجب العلم .. ؟!!

فجاء الشرع ليطهر القلب من هذه الأدران بما فرض من الاتباع ونهى عن الابتداع. والله تعالى أعلم بمراده ومقاصد نبيه .

[د - قصد الشرع إلى دوام العبد على العمل ومحبته.]

لذلك سلك الشرع به سبيل اليسر. والبدع - سواء بالزيادة أو بالترك مثلما تقدم - زيادة تكليف، آيل مع الزمن إلى الكلال عن المشروع، وللنفوس إقبال وإدبار. فمنَعَ الشرع كل بدعة حفاظا على إقبال النفوس على العبادة، ولبقاء الدين في مقدور العبد (١).

ومادة "ب د ع" في لسان العرب تأتي بمعنى الانقطاع والكلال، ففي العين قال الخليل: وأُبْدِعَ البعيرُ فهو مُبْدَعٌ … وأُبْدِعَتِ الإبلُ إذا تُركت في الطريق من الهُزال. وأُبْدِعَ بالرّجلِ إذا حَسِرَ عليه ظَهْرُهُ اه ومثله وفي الصحاح.

فالبدعة لا تصل بصاحبها إلى الله، وآيلٌ أمر راكبها إلى الانقطاع عن السنة، وعن ورود الحوض يوم تبلى الأعمال والسرائر.

روى البخاري [٣٢٧٨] عن ابن عباس قال حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله يقول: إن موسى قال لفتاه آتنا غداءنا (قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) ولم يجد موسى النصَب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به اه وكذلك يَنْصَبُ من تجاوز حد السنة.

وروى الفريابي في القدر [٣٢٤] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا معاذ بن معاذ


(١) - الموافقات: المسألة الثامنة من النوع الرابع من مقاصد الشرع.

<<  <   >  >>