بأشد صيغ النهي مبغض لها قاصد تبغيضها إلى قلوب العباد. وتجد مستحسني البدع أشد الناس تهاونا فيها، لا يَنفرون مما نفَّر منه، ولا يحذرون منها العباد كما كان النبي ﷺ يفعل، بل تجد أثقل شيء عليهم أحاديث النبي في ذم كل بدعة. فلو كان من الدين استحسان البدع لأوجدت في القلوب تقوى وقربا من الله يقتضي الحب فيه والبغض فيه سبحانه. لكن أتباع النبي ﷺ على أثره سائرون، يحذرون من البدع وهم لها مبغضون، متأسون به ﷺ ظاهرا وباطنا.
كذلك يجعل الله بركة الإيمان والصلاح والقبول والولاء للنبي ﷺ باتباع السنة عمل النبي ﷺ، فترى صاحب السنة مشرق الوجه ناضر المحيا منقادا للسنة لا يتلكأ، بخلاف البدعة فإنها لا تأتي بخير .. لا أقصد دمع العين ونحوه فإنك تجده في النصارى … ولكن الحقائق التي تقوم في القلوب وكمال الانقياد والاتباع وانشراح الصدر للسنة فعلا وتركا .. وحسن المآل يوم المعاد. لذلك كلما قرب القرن من زمن النبوة كان أسلم من الخلاف والبدعة وأعظم بركة، وكلما ابتعد كان أبعد عن ذلك. فكيف يأتي متأخر بعمل أهدى من الأولين؟! تدبر عافاني الله وإياك.
والمقصود أن ما فعله النبي ﷺ فالسنة والحكمة والمصلحة شرعا وقدرا فعله كذلك وما أخفاه فالسنة والمصلحة إخفاؤه، وما فعله تارة وتركه تارة فالمصلحة قدرا فعله كذلك، وهكذا .. تفكر في الصلاة مثلا: ما أظهره النبي ﷺ منها شرعا كصلاة الجماعة رفع الله عنه الضرر قدرا فليس فيه رياء بل هو المصلحة، وما أخفاه وسن إخفاءه كقيام الليل ففي إظهاره المفاسد كالرياء فإنه يتسلل إلى القلب .. ونحو ذلك كالعُجب، مما قد يكون عقوبة للمخالفة كما قال تعالى (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة)[المائدة ١٤] فلما نسوا حظا مما ذكروا به وهو سنة نبيهم عيسى ﵇ غير الله قلوبهم فضرب بعضَها ببعض عياذا بالله.
كذلك فطرة ابن آدم ما يكون به قوامه منه ما المصلحة الدوام عليه كل يوم كالطعام والشراب والنوم .. ومنه ما حاجته إليه أحيانا كالجماع، فلو اتخذ ما سنةُ الفطرة فعلُه أحيانا سنةً راتبةً كل يوم لعاد عليه بالفساد .. كذلك ما سنة الشرع فعله