للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتخبت له قلوبهم) فبين أن الذي يقع في اتباع المتشابهات من كان قلبه محلا قابلا وهم أهل النفاق والقاسية قلوبهم التي لم ترق للاتباع والانقياد للسنة العبادةِ الصحيحة، فمِن غِلَظها أن أهون شيء عليها تأويل ما دل عليه كلام الله ورسوله واتباع المشتبه، مع تشددهم في تحفظ كلام أئمتهم والغيرة عليها من التأويل ونحوه .. كما قال تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به) [المائدة ١٣]. فَمَنْ حرَّف دلالة شيء مما أوحي إليه كان له نصيب من ذلك، وسببه قسوة القلب والاستهانة بالأمر، وهذا من اتباع سَنَن الذين من قبل (١).

ومن الشبهات المقدرة ما حصل في فتنة الإفك بسبب شبهة في الواقع وهي تخلف عائشة وصفوان تلقفها الشيطان فَرَوَّجها بين الناس .. وتأخر الوحي ثم انتصر الله لأهل بيت نبيه .

ومنها ما حصل بين الصحابة زمن الفتنة، وقد روى البخاري [٦٦٨٨] عن أبي وائل قال قام عمار على منبر الكوفة فذكر عائشة وذكر مسيرها، وقال: إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكنها مما ابتليتم اه

وهكذا ما يكون من زلات العلماء، وجرح الأقران .. كل ذلك من المتشابه الذي ينبغي ألا يعول عليه في استدلال ولا اتباع ..

فكذلك يشكل على الغَمر ما يرى من انفتاح الدنيا على أهل الكفر، ويرى أهل الإيمان يُقَتلون ويضيق عليهم .. فترتاب قلوبهم .. كما يحصل مع الدجال من فتنة، لما بين يديه من المتشابهات قدرا ..

ولا يزال مع الزمان تظهر الشبهات والبدع مما يلقي شياطين الإنس أو الجن .. فَيُلهِمُ الله من يشاء من عباده كما قال النبي : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون اه [خ ٦٨٨١] وكما قال معاذ: يا أيها الناس لا تعجلوا


(١) - الإكليل في المتشابه والتأويل لابن تيمية.

<<  <   >  >>