للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في مسمى "البدعة الحسنة" إذ يمكن أن يستدل لها بعموم، بل لا يأتون بمثال للبدعة المنكرة إلا ولها شبهة دليل لاستحسانها. لذلك تراهم تارة ينكرون الشيء ثم يستحسنون مثله تارة أخرى، وتارة ينكرون الاحتجاج بالترك وتارة يحتجون به، وتارة يثبتون القياس في القربات! وتارة ينكرونه.

٢ - عمدوا إلى كلمات للصحابة تشبه - بادي الرأي - ما توهموا من إثبات البدعة الحسنة كقول عمر : "نعمت البدعة هذه"، فأنزلوها على مسمى البدعة عندهم. والواجب جمع فتاوى الصحابة لتصور معنى البدعة عندهم، فما كل مسمى للمتأخرين يكون كذلك عند المتقدمين مثل لفظ "الكراهة" و"التأويل" و "الجماعة" .. وقد وجدنا الصحابة ينكرون ما هو جارٍ على رسم ما سمي "البدعة الحسنة": ينكرون أعمالا لمجرد أن ليس عليها العمل محتجين بالترك، عادلين عن الاحتجاج بالعمومات المجملة.

٣ - جعلوا إقرار النبي لبعض أصحابه على عبادات فعلوها حجة على جواز إحداث أي تعبد مستحسن بعده! وهذه وهلة واضحة عن مسمى البدعة! إذ لا كلام في زمن النبي عن البدعة لتجدد الوحي كما لا كلام عن الإجماع في عصره. وإنما البدعة ما حدث بعد إكمال (١). وقد حفظ عن الصحابة إنكار عبادات أحدثها مَنْ بعدهم، وهذا هو محل النزاع، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

٤ - استعملوا قواعد أصولية في غير موضعها الذي اصطلحوا عليها فيه مثل قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة" لاستحسان قربات يستحبونها! وهذه قاعدة المباحات (٢) لا القربات المستحبة! وتركوا القاعدة الواردة - على طريقتهم -


(١) - العين للخليل والصحاح للجوهري باب العين مادة ب د ع. وقال الهروي أبو إسماعيل [ذم الكلام ١٤] سمعت أحمد بن الحسن بن محمد البزاز الفقيه الحنبلي الرازي في داره بالري يقول: كل ما أحدث بعد نزول هذه الآية -وذكر قول الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) - فهو فضل وزيادة وبدعة اه
(٢) - كما تدل ألفاظها، إذ ركِّبت من مصطلحين أصوليين "أصل" و "إباحة" فلا حديث عن الاستحباب .. وسيأتي بيان ما فيه إن شاء الله تعالى.

<<  <   >  >>