٥ - استدلوا بعمومات متشابهة ونزلوها غير منزلها، وتركوا أدلة الباب المحكمة، مثل:
أ- استدلالهم بحديث جرير وغيره عن النبي ﷺ: من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء اه [م ١٠١٧] فجعلوه مخصِّصا لحديث: كل بدعة ضلالة. والشأن - لو جاز التخصيص - خلاف ذلك لأن الحديث الأول حديث جرير أعم، فلفظ " سنة " نكرة في سياق الشرط تفيد العموم، فيفهم منها - ابتداء وعلى طريقة الأصوليين - سَنُّ عادة كقوله ﷺ: لا تقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل اه [خ ٣١٥٧] ويدخل فيها جدلا سن عبادة (بدعة)، وسَنُّ سنة عليها العمل كما في سبب الورود في حديث جرير (١)، وسبب الورود صريح الدخول في العموم أي لا يخرج منه بتخصيص أو تأويل. أما حديث " كل بدعة ضلالة " فخاص بالقربات المحدثة (البدع) ولفظ "بدعة" حقيقة شرعية في إحداث تعبد، لذلك كانت ضلالة، هذا على قول من لم ير العادات داخلة
(١) - قال جرير ﵁: كنا عند رسول الله ﷺ في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله ﷺ لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام. فصلى ثم خطب [فحمد الله وأثنى عليه ثم أمرهم بالصدقة] فقال (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) إلى آخر الآية (إن الله كان عليكم رقيبا) والآية التي في الحشر (اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله) تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بُره من صاع تمره حتى قال: ولو بشق تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بِصَرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله ﷺ يتهلل كأنه مُذْهَبة فقال رسول الله ﷺ من سن في الإسلام سنة حسنة " الحديث. الزيادة للطبراني [ك ٢٣٨٥] والطحاوي في المشكل "باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله ﷺ من قوله "من سن سنة حسنة". والبيهقي في الكبرى باب التحريض على الصدقة من كتاب الزكاة.