للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن اعتقد أن ترك ذلك سنة كان بدعة، بل السنة فعله كالنبي ، وهو خير الهدى. وقوله هنا: فمن رغب عن سنتي فليس مني اه دليل على أنه لا يتعبد بتركه وأنه داخل في السنة.

والعبادة الصحيحة ما كان مقصودا للشرع، كما أن البدعة فعل ما لم يثبت قصد الشرع إلى فعله فكيف بما ثبت أنه لم يقصد؟ فالمباح المطلوب جملة لا ينقلب بالترك عبادة، والتعبد بتركه خلاف مقاصد الشريعة (١). وكيف يكون تركه مقصودا وإنما شرع لحفظ ما أسماه الأصوليون "الكليات الخمس"؟ وكيف يزهدنا الله فيه وهو يأمرنا به ويمتن به - وله المنة سبحانه - ويأمر بالشكر عليه؟

لذلك ذكروا في قواعد الفقه أن من نذر ترك مباح لم يلزمه الوفاء به، خلافا للأصل في النذر أنه لازم.

٢ - والمباح المسكوت عنه الراجعة إباحته إلى رفع الحرج، المعفو عنه الذي علم قصد الشرع إلى تركه، وهو إما مكروه من حيث الجملة أو محرم، لذلك كان العمل الأول على تركه إلا أحيانا نادرة مثل التغني بالكلمات المباحة، والترفه، والمزاح، واللغو .. لا للأجر ولكن ترخصا، واعتبار الفسحة، ولم يكن واقعا من ذوي الهيئات ..

وتأمل قول الله تعالى في الخمر قبل التحريم (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) [النحل ٦٧] فهذا تعريض لا إباحة وليس هو إذنا في شرب الخمر، إذ فرق بين السكر والرزق الحسن، والواو للمغايرة، فدل على أن السكر ليس رزقا من الله حسنا، وإنما هو شيء اتخذه الناس. لذلك كان قبل التحريم مباحا بالجزء محرما بالكل لذلك نهي عنه عند الصلاة، وإباحته مسكوت عنها لا مصرح بها، فما كان النبي يفتي بحلها أبدا، ولكن يقرهم. فهذا يرشد إلى أن ما لم يثبت حكمه إلا من جهة الإقرار فرتبته متأخرة.


(١) - الموافقات كتاب الأحكام المسألة الأولى والثالثة والرابعة. والمسألة الخامسة عشرة من مباحث الأمر من كتاب الأدلة.

<<  <   >  >>