البخاري، ثم ما حققه ونقحه شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية، ولكن لا أخلي هذه الرسالة عن إشارة إلى ذلك، فأقول:
العقول الفطرية قاضية بأن لله تعالى الكمال المطلق والقدرة التامة، وأنه متى شاء أن يتكلم الكلام الحقيقي المعروف بعبارة وحرف وصوت تكلم كيف شاء، ثم جاءت كتب الله تعالى ورسله بإثبات أنه سبحانه تكلم ويتكلم، وكلم ويكلم، وقال ويقول، ونادى وينادي، وأن القرآن هذا المعروف كلام الله على الحقيقة الحقة. وقد أخبر الله تعالى أن الجمادات قد تتكلم كلاماً حقيقياً، وأن أعضاء الإنسان تنطق يوم القيامة فتشهد عليه، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يسمع تسليم الحجر والشجر عليه، وأسمع أصحابه تسبيح الحصى. فكان من المعلوم عند الناس أن التكلم بالعبارة والحرف والصوت ليس موقوفاً على الآلات التي يتكلم بها الإنسان، بل قد يتكلم المخلوق بغيرها فكيف الخالق عز وجل؟ فلم يلزم من تكلم الله عز وجل أن يكون له جوف اوغير ذلك مما هو منزه عنه.
ثم جحد الزائغون كلام الله عز وجل، وحاولوا تحريف معاني النصوص التي لا تحصى تحريفاً ليس بخير من التكذيب الصريح، بل لعله شر منه، ثم حال بعض الناس التلبيس فحمل النصوص على كلام نفسي ليس بعبارة ولا حرف ولا صوت، بل راد أنه معنى واحد لا تنوع فيه ولا تعدد، فلا أمر فيه ولا نهي، ولا خبر ولا ولا، ثم لم يزالوا في تخبيط وتخليط إلى أن صاروا إلى ما في (روح المعاني) ج ١ ص ١٥ قال: «الذي انتهى إليه كلام أئمة الدين كالماتريدي والأشعري وغيرهما من المحققين أن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بحرف وصوت كما تدل عليه النصوص التي بلغت في الكثرة مبلغاً لا ينبغي معه تأويل، ولا يناسب معه قال وقيل» . ثم ذكر آيات النداء ثم قال: «واللائق بمقتضى اللغة والأحاديث أن يفسر النداء بالصوت، بل قد ورد إثبات