للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موافقيه براء من الهوى، وأن مخالفيه كلهم متبعون للهوى. وقد كان من السلف من يبلغ في الاحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ الآخر، كالقاضي يختصم إليه أخوة وعده فيبالغ في الاحتراس حتى يظلم أخاه، وهذا كالذي يمشي في الطريق ويكون عن يمينه مزلة فيتقيها ويتباعد عنها فيقع في مزلة عن يساره!

٤- يستحضر أنه على فرض أن يكون فيما نشأ يه باطل، لا يخلوا عن أن يكون قد سلف منه تقصير أولا، فعلى الأول إن استمر على ذلك كان مستمراً على النقص ومصراً عليه ومزداداً منه وذلك هو نقص الأبد وهلاكه، وإن نظر فتبين له الحق فرجع إليه حاز

الكمال وذهبت عنه معرة النقص السابق، فإن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّأبينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» . وفي الحديث «كلكم خطاءون وخير الخطائين التوابون» (١) . وأما الثاني وهو أن لا يكون قد سبق منه تقصير فلا يلزمه بما تقدم منه نقص يعاب به البتة، بل المدار على حاله بعد أن ينبه، فإن تدبر وتنبه معرف الحق فإتبعه فقد فاز، وكذلك إن اشتبه عليه الأمر فإحتاط، وإن أعرض ونفر فذلك هو الهلاك.

٦ - يستحضر أن الذي يهمه ويسأل عنه هو حاله في نفسه، فلا يضره عند الله تعالى ولا عند أهل العلم والدين والعقل أن يكون معلمه أو مربيه أو أسلافه أو أشياخه على نقص، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يسلموا من هذا، وأفضل هذه الأمة أصحاب رسول الله صلة الله عليه وآله وسلم ورضى عنهم وكان آباؤهم وأسلافهم مشركين. هذا مع احتمال أن يكون أسلافك معذورين إذا لم ينبهوا ولم تقم عليهم الحجة. وعلى فرض أن أسلافك كانوا على خطأ يؤاخذون به فأتباعك لهم وتعصبك لا ينفعهم شياً بل يضرهم ضرراً شديداً فإنه يلحقهم مثل إثمك ومثل إثم من يتبعك من أولادك واتباعك إلى يوم القيامة. كما يلحقك مع إثمك مثل إثم من


(١) أخرجه الترمذي وغيره بلفظ: «كل بني آدم خطاء، وخير ... » . وسنده حسن. ن.

<<  <   >  >>