للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٢٣٣ - (١) وبالجملة، فلا ريب أنّه قد ثبت بالكتابِ والسنّةِ وإجماعِ السلف أنّ الله تكلّمَ بالقرآن بحروفه ومعانيه، بصوتِ نفسِه، ونادى موسى بصوتِ نفسِه، وأنّ صوتَ الربِّ لا يُماثِلُ أصواتَ العباد، كما أنّ علمَه لا يُماثِلُ علمَهم، وقدرتَه لا تُماثِلُ قدرتَهم، وأنّه بائنٌ عن مخلوقاته بذاته وصفاته، وقد مضى على ذلك أئمّةُ الإسلام أحمد ومن قبله من الأئمّة.

فالصوتُ المسموع من العبد صوتُ القارئ، والكلامُ كلامُ الباري، وهو سبحانه نادى موسى بصوتٍ سمعَه موسى؛ فإنّه قد أخبر أنّه نادى موسى في غير موضعٍ من القرآن، كما قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦)[النازعات]، والنداءُ لا يكونُ إلّا صوتًا باتّفاق أهلِ اللغة.

وقد قال الإمامُ أحمد وغيرُه من الأئمّة: "لم يزلْ اللهُ متكلِّمًا إذا شاء".

٢٢٣٤ - وقال أبو بكر المرُّوذي: قيل لأبي عبد الله - يعني: أحمد بنَ حنبل -: ههنا كلامٌ في رُقْعَةٍ تكلّمَ به عبد الوهّاب (٢) وعرضناها عليه وقُرئت عليه: "من زَعَمَ أنّ كلامَ الله بلا صوتٍ فهو جَهْمِيٌّ عدوٌّ لله ، والقرآنُ الذي في صدورنا والذي مُثبَتٌ في مصاحفنا هو القرآنُ الذي تكلّمَ الله به والذي خرج منه تبارك اسمُه، فمن قال غيرَ هذا فهو ضالٌّ مُضِلٌّ جَهْمِيٌّ عدوٌّ لله وعدوٌّ للإسلام"، وذكر غيرَ ذلك، فأعجب أبو عبد الله ذلك وتبيّن السرورُ في وجهه وقال: "ما أحسن ما تكلّم به - عافاه الله -".

٢٢٣٥ - وقال أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكَرَجي (٣) في قصيدته


(١) من هنا بقية نص ضاع أوله مع ضياع الوريقة.
(٢) هو: عبد الوهاب بن عبد الحكم، أبو الحسن الوراق البغدادي (ت: ٢٥١ هـ). السير (٣٨/ ١٠).
(٣) هو: محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر بن محمد، فقيه الكَرَج وعالمُها، توفي سنة ٥٣٢ هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى (٦/ ١٣٧ فما بعدها)، تاريخ الإسلام للذهبي (وفيات ٥٣١ - ٥٤٠ هـ/ ٢٩٤ - ٢٩٦).