للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فدخل على الراوي هذا الحديثُ في الآخر.

حكى ذلك الإمام أبو عبد الله بن القيِّم في مسألة الروح (١)، عن شيخنا أبي الحجّاج الحافظ.

وأمّا قولُ أهل النار: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ [غافر: ١١]، فتفسير هذه الآية والآية التي في البقرة: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨]، فكانوا أمواتًا وهم نطف في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمّهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يُحييهم يومَ النشور، وليس في ذلك إماتةُ أرواحهم قبل يوم القيامة، وإلّا كانت ثلاثَ موتاتٍ، وصعقُ الأرواح عند النفخ لا يلزمُ منه موتُها (٢).

وأمّا ما روي: "فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممّن استثنى الله"، والذين استثناهم الله هم مُستَثنون من صعقة النفخة لأن صعقة يوم القيامة، كما قال: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: ٦٨]، ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة، فهذا - والله أعلم - غيرُ محفوظ، والمحفوظ ما تواطأت عليه الرواياتُ الصحيحةُ، من قوله: "فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور"، فظنَّ بعضُ الرواة أنّ هذه الصعقةَ هي صعقةُ النفخة؛ فإنّ موسى داخلٌ فيمن استُثني منها، وهذا لا يلتئم على مساق الحديث قطعًا، فإنّ الإماتة حينئذٍ هي إماتةُ البعث، فكيف يقول: "لا أدري أبُعث قبلي، أم جوزي بصعقة الطور"، وهذا بخلاف الصعقة التي يصعقُها الناسُ يومَ القيامة، فإذا جاء الله لفصل القضاء بين العباد وتجلَّى لهم فإنّهم يصعقون جميعًا، وأمّا موسى فإن كان لم يصعَقْ معهم، فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلَّى ربُّه للجبل فجعله دكًّا،


(١) الروح (ص ١٠٤ - ١٠٥).
(٢) اقتباس من كلام ابن القيم في الروح (ص ٩٩ - ١٠٠).