للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأولون في أمر النفس الإنسانية، فقال قومٌ: إنها عرَض، لكن منهم من قال إنّها من جملة القوى الفعّالة ومنهم من قال إنّها مزاج، وقال قومٌ: إنها جسم، ثمّ منهم من قال إنّها جسم عبقري، ومنهم من قال إنّها الروح، ومنهم من قال إنّها الدم، والذي ذهب إليه المحقِّقون منهم: أنّه جوهر بسيط مجرّد عن المادة، دون علائق المادة، ويدل عليه أن كل عاقل يجد من نفسه أنه يعمل شيئًا ما، فإن كان بسيطًا لا تركيب فيه فهو المطلوب، وإن كان مركّبًا ففيه البسيط، والبسيط غير متحرى، فالمُدرَكُ إمّا أن يكون بسيطًا أو مركّبًا لا جائز أن يكون مركّبًا، وإلّا فالمُدرَك منه إما البعض أو الكل، فإنّ المدرَك البعض دون الكل، فإن كان مركّبًا عاد التقسيمُ وتسلسل، وإن كان بسيطا فهو النفس والباقي خارجٌ عنها، وإن كان المُدرِكُ هو الأجزاء فإمّا أن يكون كل جزء أدرك ما أدركه الآخر أو غيره، فإن كان الأول لزم حصولُ العلم بالشيء الواحد مرارًا، وهو خلاف ما نجده من أنفسنا، وإن كان الثاني فقد لزم التحري فيما لا يُتحرَّى وذلك محال، فلم يبق إلّا أن يكون المدرك للبسائط بسيطًا لا تركيب فيه، وإلّا لزم التحري فيما لا يُتحرّى له أو عُدم التحري في المتحرَّى وهو محال، وذلك هو المعنى بالنفس الناطقة".

قلت: هذه الحجة التي ذكرها هو وغيره على أنّ النفس ليست بجسم، قد نقضها عليهم شيخُنا أبو العبّاس وبيّن فسادَها بكلام مفصّل مبسوط ليس هذا موضع حكايته.

فمنه (١): أنّ قولهم (العلم بما لا ينقسم لا ينقسم) كلام لا حقيقة له؛ إذ حاصله: أن العلم بما لا اختيار فيه لا اختيار فيه، وما لا اختيار فيه لا يُعلم، بل لا يوجد، فلا يُتصوّر أن يقوم عليه محلّ أصلًا، وإنما مدار حججهم على إثبات موجود لا امتياز فيه، كما أثبتوا جزاءً لا ينقسم أو يقبل


(١) لم أجد هذه النقول في مصنفات شيخ الإسلام المطبوعة.