الانقسام إلى غير نهاية، فما ادّعَوْه من الجزء والانقسام المحصور الذي هو فصل بعضه عن بعض كما نفوه من الانقسام الذي يُعنى به إمكان تعلّق العلم والإدراك ببعضه دون بعض، فلا ذلك المثبت له تلك القسمة له وجود، ولا هذا المنفي عنه هذه القسمة له وجود، بل كل موجود ثبتت له هذه المباينة والقيام بالنفس الذي سمّوه انقسامًا، وليس في الموجودات ما يفضل بعضه عن بعض، حتى ينتهي إلى جزئهم أو ينقسم دائمًا. وأما ما ذكروه من أنّ النفس يقوم بها العلمُ بالأمور الكلّية، كالإنسانية والجسمية التي لا توجد إلّا في الأذهان، والكلي المجرّد عن جميع الأمور المشخصة، فلو كان مخلد جسمًا لكان له مقدار معيّن، فيقال لهم: إن كانت هذه الحجّة صحيحة فيلزم أن تكون النفس أمرًا كلّيًا لا يتعيّن ولا يتميّز عن غيره، ولا له وجود خارجي يتخصّص به، وهذا في الحقيقة قولٌ بعدم النفس وتعطيلٌ لها، لأنّ كلّ موجود فلابدّ له من تعيين يتخصّص به في الخارج، فحججهم هذه توجب عدم النفس من حيث ظنوا تجريدَها، كما أنّ احتجاجهم على تنزيه الباري يوجب تعطيلَه، حيث يجعلونه الوجودَ المطلقَ الذي لا يتعيّن، وذلك يمتنع وجودُه في الخارج، وذلك لأنهم إذا قالوا: النفس تقوم بها أمورٌ كلّية، وجعلوا المحلّ كالحالّ في ذلك، لزم أن تكون النفس كلّية، وإن لم يجعلوا المحلّ كالحالّ تُطلب الحجة.
٤٤١ - قال أبو محمد بن حزم (١) في من قال: إنّ الروح عرَض لا يبقى وقتين بل يفنى ويضمحل، وإنّ النفس ليست شيئًا غير الهواء الداخل والخارج بالتنفس:"ما قال هذا القولَ أحدٌ ممن ينتمي إلى الإسلام إلّا أبو الهُذَيْل العَلّاف المعتزلي، وهي أحد شنعه المُخرجة له عن الإسلام، ثم اتبعه على ذلك الطائفة المنتمية إلى الأشعرية".