للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (والثالث: شرعي عندنا).

يعني: أن القسم الثالث هو محل النزاع، وهو: كون الفعل يوجب الندم (١) أو الذم الشرعيين، فهو عند أهل السنة شرعي أي: لا يعلم ولا يثبت إلا بالشرع، وهو عند أهل الاعتزال عقلي، أي: يعلم بالعقل، ولا يفتقر إلى ورود الشرائع (٢).


(١) في ز: "المدح".
(٢) ذكر ابن القيم في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: لبعض نفاة التحسين والتقبيح قالوا: ليست في ذاتها قبيحة، وقبحها والعقاب عليها إنما ينشأ بالشرع.
الثاني: المعتزلة قالوا: قبحها والعقاب عليها ثابتان بالعقل.
الثالث: أن الفعل نفسه قبيح وأنه لا يعاقب إلا بإرسال الرسل، ولا تلازم بين الأمرين، واختاره ابن القيم.
وِاستدل على كون الفعل في نفسه قبيحًا بآيات كثيرة، منها قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (٣٣ الأعراف)، ولو كان كونها فواحش إنما هو لتعلق التحريم بها وليست فواحش قبل ذلك لكان حاصل الكلام: قل إنما حرم ربي ما حرم .... فمن قال: إن الفاحشة والقبائح والآثام إنما صارت كذلك بعد النهي فهو بمنزلة من يقول: الشرك إنما صار شركًا بعد النهي وليس شركًا قبل ذلك، ومعلوم أن هذا وهذا مكابرة صريحة للعقل والفطرة، فالظلم ظلم في نفسه قبل النهي وبعده، والفاحشة كذلك وكذلك الشرك؛ لأن الحقائق صارت بالشرع كذلك، نعم؛ الشارع كساها بنهيه قبحًا إلى قبحها. فكان قبحها من ذاتها وازدادت قبحًا عند العقل بنهي الرب تعالى عنها وذمه لها، وإخباره ببغضها وبغض فاعلها ...
الدليل الثاني: إنكاره سبحانه قبح الشرك به في إلهيته وعبادة غيره معه بما ضربه لهم من الأمثال وأقام على بطلانه بالأدلة العقلية منها: قِوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ =