للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبيان ذلك: أن من أنقذ غريقًا ففي فعله أمران:

أحدهما: كون الطبع السليم ينشرح له، وهذا عقلي باتفاق.

والأمر الثاني: كونه يثيبه (١) الله على ذلك [في الآخرة] (٢) وهذا محل النزاع.

وكذلك من غرق إنسانًا ظلمًا فيه أيضًا أمران:

أحدهما: كون الطبع السليم يتألم منه، وهذا عقلي اتفاق (٣) أيضًا.


= لَا يَعْلَمُونَ} (٢٩ سورة الزمر)، احتج سبحانه على قبح الشرك بما تعرفه العقول من الفرق بين حال مملوك يملكه أرباب متعاسرون، وحال عبد يملكه سيد واحد، فكذلك على المشرك والموحد، ولو كان إنما قبح بالشرع لم يكن لتلك الأدلة والأمثال معنى.
أما الدليلِ علِى أن العقاب بعد إرسال الرسل فالأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (١٥ سورة الإسراء) وغيرها من الآيات.
ويوضح ابن القيم عدم التلازم بين الأمرين فيقول: "والحق الذي لا يجد التناقض إليه السبيل أنه لا تلازم بينهما وأن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة، كما أنها نافعة وضارة، والفرق بينهما كالفرق بين المطعومات والمشمومات والمرئيات، ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي، وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحًا موجبًا للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل، فالسجود للشيطان، والأوثان، والكذب، والزنا، والظلم، والفواحش، كلها قبيحة في ذاتها والعقاب عليها مشروط بالشرع.
بتصرف واختصار من كتاب مدارج السالكين لابن القيم ١/ ٢٣١، ٢٣٢، ٢٣٤، ٢٣٨.
(١) المثبت من ط وز، وفي الأصل: "يثيب".
(٢) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(٣) في ط وز: "باتفاق".