للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: والأفضل أن يكون بصوم، أي: إما لأجل الاعتكاف، أو لغيره؛ للخروج من خلاف أبي حنيفة وغيره؛ فإنه جعل الصوم شرطاً في صحته وإن لم يكن الصوم له لخصوصه [تمسكا بفعله – عليه السلام – فإنه لم ينقل أنه اعتكف إلا وهو صائم؛ فدل على انه شرط فيه، وإذا كان كذلك] فلا يصح في يوم العيد وأيام التشريق ولا في الليل منفرداً؛ لعدم قبول ذلك للصوم المطلق، وهو قول قديم حكاه القاضي أبو حامد [في "جامعه"]، لكنّ أبا حنيفة جوزه في الليل تبعاً للنهار، وعندنا لا يجوز في الليل على هذا القول تبعاً كما حكاه الإمام.

والجديد: الأول؛ حملاً لفعله صلى الله عليه وسلم على الاستحباب، بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن عمر – رضيا لله عنه – أنه قال: يا رسول الله إني في الجاهلية نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام ليلة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك"، ووجه الدلالة منه: أنه أمر بالوفاء بنذر الاعتكاف ليلة والليل غير قابل للصوم فدل على أن الصوم ليس شرطاً لصحته.

فإن قيل: قد ثبت في "الصحيح" عن عمر أنه قال: "إني نذرت أن أعتكف يوماً" فلا دليل لكم في الخبر، وعلى الرواية الأولى فهو محمول على ما إذا كان قد نذر الليلة تبعاً للنهار كما نقول: إنه في حال خروجه لقضاء الحاجة معتكف وإن كان لا يصح اعتكافه في غير المسجد؛ ويدل على ذلك – أيضاً – أنه جاء في بعض الطرق: أن عمر قال: "إني نذرت أن اعتكف يوماً وليلة".

قلنا: ما ثبت في "الصحيح" – مع ما ذكرناه – خبران يمكن استعمالهما، لا يطرح أحدهما بالآخر، وما جاء في بعض الطرق، فقد قال أئمة الحديث: إن الراوي له تفرَّد به، وهو ضعيف لا يستدل بحديثه.

<<  <  ج: ص:  >  >>