للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشياءَ واحِد منها يَكفِي في زَلزَلة النَّفْس، فكيف إذا اجتَمَعت! أمورٌ صعبةٌ؛ فقد كان الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ في ذلك المَكانِ؛ كان يَعْصِب على بَطْنه الحجَر من الجُوع (١)، كيف تَتصوَّر الحال، لا يُمكِن الإنسان يُعبِّر عنها في الواقِع؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا} قوِيًّا عظيمًا زَلْزَل نُفوسَهم؛ لتُجمَع هذه الابتِلاءاتُ عليهم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.

ولهذا بزَغَ النِّفاق، وتَكلَّم المُنافِقون، ورأَوْا أنَّ في هذا فُرْصةً للكلام؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ يَعِدُهم النَّصْر حتى في تِلك الغزو يَعِدُهم النَّصْر، وقِصَّة الصَّخْرة التي عجَزوا عنها وتَكسَّرت الفُؤوس وتَعِبوا حتى جاؤُوا إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ خَطَطْتَ لَنَا" (٢)؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ خَطَّ لهم مَكان الخَنْدق، خَطَّ لهم بقَدَمه من حِكْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أنه صار الخَطُّ على هذه الصَّخْرة التي عجَزوا عنها، لكن لشِدَّة امتِثالهم -رضي اللَّه عنهم- ما قالوا: نَعطِف يَمينًا أو يَسارًا، لكنهم جاؤُوا إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأَخبَروه، فنزل من عَريشه الذي كان قد بُنِيَ له على تَلٍّ هنالك يُشرِف على القَوْم نزَل وأخَذ المِعوَل، فضرَبها ضَرْبةً.

يَقول ابنُ إسحاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لمَّا ضَرَبها الضَّرْبة أَضاءَت إضاءةً عظيمةً كأنما نحن في نهار واندَكَّ منها ما اندَكَّ، وكبَّر عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ فكانت في الليل، ثُم ضرَبها الثانيةَ، فأَضاءَت، وكبَّر تَكبيرةً الفَتْح، تَكبيرةً عظيمةً، ثُمَّ ضرَبها الثالِثةَ وكبَّر، وقالوا: يا رسول اللَّه، لماذا صَنَعْت هذا؟ قال: "رأَيْت في التَّكبِيرةِ الأُولَى قُصورَ الرُّوم، وَفِي


(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، رقم (٤١٠١)، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٣/ ٤١٨)، من حديث عمرو بن عوف المزني -رضي اللَّه عنه-، بلفظ: فإنا لا نحب أن نجاوز خطك.

<<  <   >  >>