أمَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فإن عِلْمه كامِل، جُملةً وتَفصيلًا، في جميع الأحوال، قبل الوُجود، وحين الوُجود، وبعدَ العدَم، ولهذا قال مُوسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ:{عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}، فنَفَى عنه الضَّلال الذي هو الجَهْل، والنِّسْيان الذي هو: الذّهول عن الشيءِ بعد عِلْمه.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} إِذَنْ نَقول: عَليمًا بما يَكون قبلَ كَوْنه، وبما يَكون حين كونه، وبما يَكون بعد عدَمه في كل الأحوال.
{حَكِيمًا} تَقدَّمَت كثيرًا، وبيَّنَّا أنه مُشتَقُّ من الحِكْمة والحُكْم، وأن حُكْم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَوْنيٌّ وشَرْعيٌّ، وأن الحِكْمة نَوعان أيضًا: غائِيَّة وصُورّيَة، والصُّوريَّة ليس المعنى أنها بالصُّورة فقط، لكن كون الشيء على هذه الصورةِ حِكْمة، والغاية منه حِكْمة أُخرى، فإذا كان كذلك فتكون الأقسامُ أَربَعةً:
١ - حُكْم مُشتَمِل على الحِكْمة في صورته وغايَته.
٢ - حُكْم شَرْعيٌّ مُشتَمِل على الحِكْمة في صورته وفي غايَته.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}، وهنا إِشْكال في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ}؛ لأن المعروف أن الشيءَ الماضِيَ قد مضَى، {كَانَ عَلِيمًا}، فهل يُفيد أنه الآنَ ليس بعَليم؟ لا؛ لأن (كان) قد تَكون مَسلوبة الزمان، ويُقصَد بها اتِّصاف اسمِها بخبَرها، وتَحقُّق ذلك الاتِّصافِ بدون أن يُلاحَظ الزمَن فيها، وهي كلَّما جاءَت بالنِّسبة إلى اللَّه تعالى وأسمائه وصِفاته، فإنها على هذا البابِ: أنها تُفيد تَحقُّق اتِّصاف المَوْصوف -الذي هو اسمُها- بصِفَته -وهو خَبَرُها-، بقَطْع النَّظَر