وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فإن قوله:{الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} قَيْد مُبيِّن للواقِع، وليس المَعنى أن هناك رَبًّا لم يَخلُق وربًّا خلَق؛ والأمثِلة في هذا كثير.
فهنا يُمكِن أن نَحمِل كلام المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ في قوله:[فيما يُخالِف شريعتَكَ] على أنه بَيان للواقِع، وهو أن الكافِر والمُنافِق لا يُمكِن أن يَأمُر إلَّا بما يُخَالِف الشَّريعة؛ لأن الكافِر كافِر بها، والمُنافِق أيضًا كافِر بها، لكنه يُظهِر الإيمان.
ثُمَّ قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} بما يَكون قَبْلَ كونه، {حَكِيمًا} فيما يَخلُقه]، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}، هذه الجُمْلةُ مَوضِعها ممَّا قَبْلها في المَعنى تَعليلية، ووجهُ كَونِها تَعليلًا لما قَبْلها أن اللَّه تعالى لمَّا أَمَر نبيَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتَّقوى ونهاهُ عن طاعة الكافِرين؛ بيَّن أن هذا الأَمْرَ والنهيَ صادِر عن عِلْم وحِكْمة، وأنه عَزَّ وَجَلَّ أَعلَم بما يَكيده هؤلاءِ الأعداءُ من الكُفَّار والمُنافِقين، فلا تُطِعْهم؛ فليسوا أهلَ نُصْح لكَ أبدًا.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} بما يَكون قبل كَوْنه]، وهذا التَّقييدُ غير صحيح؛ لأنه تعالى عليم بما يَكون قبل كَوْنه، وبعد كَوْنه: حالَ كَوْنه مَوجودًا، وبعدَ كَوْنه: حالَ كَوْنه مَعدومًا، فعِلْم اللَّه تعالى يَتعَلَّق بالأشياء في أَحوالها الثلاثِ؛ قبل الوُجود، وحين الوُجود، وبعد العَدَم.
أمَّا عِلْم المَخلوق فلا يَتعلَّق بالأشياء في هذه الأَحوالِ كُلِّها: