بالإيمان قال: إنه مُؤمِن. فتَخلَّص، كما أنه إذا أَتَى إلى قومه يَقول: إنه كافِر. فيَتخَلَّص من مَلامة هؤلاءِ ومَلامة هَؤلاءِ.
{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} معلوم أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُمكِن أن يُطيع الكافِر، لكن الذي قد يُمكِن أن يُطيع المُنافِق، لأنَّ المُنافِق لا يُحَسُّ بنِفاقه وكُفْره، ولا يُعلَم عنه، فقد يَغتَرُّ به الإنسان؛ فلهذا قدَّم اللَّه تعالى الكافِرين هنا على المُنافِقين، مع أنه في باب الوعيد يُقدِّم المُنافِقين على الكافِرين، قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}[النساء: ١٤٠]، وقال سُبْحَانَهُ وتَعَالَى:{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}[الأحزاب: ٧٣].
{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [فيما يُخالِف شَريعتَكَ]، هذا القَيدُ يَقتَضي تَخصيص النَّهي مع أن النَّهيَ مُطلَق {لَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}، فما الذي حمَل المُفَسِّر على أن يُقيّده بما يُخالِف الشريعة؟
حمَلَه على ذلك:
١ - أنه لو فُرِض أن الكافِر أو المُنافِق أَمَر بما يُوافِق الشريعة، لكان لِزامًا علينا أن نُطيعه؛ لا لأنه أَمَر، ولكن لأن هذا مُقتَضى الشريعة، هذا وجهٌ.
٢ - ووجهٌ آخَرُ، هو أن يُقال: إن تَقييد المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ ذلك بيانٌ للواقِع؛ لأن الكافِر والمُنافِق -لِعَداوتهما لشريعة النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُمكِن أن يَأمُرَا إلَّا بما يُخالِف الشريعة، فيَكون هذا القَيْدُ بَيانًا للواقِع، والقيدُ الذي يَكون بيانًا للواقِع لا يُقيِّد، لأنه لا يُراد.
وفي ذلك أَمثِلة، منها: قوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ