للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الاعتِزاز بالوطَن -حميَّةً للوطن- من صِفات المُنافِقين؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَاأَهْلَ يَثْرِبَ}، وقَصدُهم بذلك إِحْمَاءُ حمِيَّتهم الوطنية، وأمَّا الحديث الذي يُرْوَى: "حُبُّ الوَطَنِ مِنَ الإِيمَانِ" (١)، فإنه كذِب على الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وليس صحيح. أمَّا الاعتِزازُ بالوطَن لكَوْنه إسلاميًّا فهذا لا بأسَ بِه.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: جَواز تَسْمِية المدينة بيَثرِبَ، هكذا استَدَلَّ به بعضهم، ووجهُ قول هذا القائِلِ: إن اللَّه تعالى حَكاه عنهم وأَقرَّه، ولكن بعض أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ قال: لا يَدُلُّ على ذلك، بل إنما يَدُلُّ على العكس، وأن تَسميتها بيَثرِبَ إنما يَكون من المُنافِقين؛ لأن اللَّه تعالى يَحكِي الكُفْر عن الكافِرين، فيَحكِي كلَّ ما يقوله هؤلاءِ الكُفَّارُ، من المُنافِقين وغيرهم، وهل ما حَكاه عنه من الكُفْر إقرارٌ له؟

الجوابُ: لا، إذَنْ: يُسْتَفاد من الآية أن تَسْمية المدينة بيَثرِبَ من شأن المُنافِقين؛ ولهذا قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَقُولُونَ: يَثْرِبُ. وَهِيَ المَدِينَةُ" (٢)، وهذا وَاضِح بأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لم يَرتَضِ بهذه التَّسميةِ.

ويَتفرَّع على هذه الفائِدةِ: بيانُ ما كان عليه من أُولئِك المُؤرِّخين -لا نَقول: العرَب بَل نَقول: الإسلامِيِّين- الذين هم إمَّعَة، جاء المُستَشرِقون فكانوا يَتحَدَّثون عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- باسْمِ محُمَّد فقَطْ قالوا: محُمَّد. كما قال الكُفَّار في عهد الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ويَتحَدَّثون عن المدينة بأنها يَثرِبُ، فجاء هؤلاء المَساكينُ يُقلِّدون أُولئكَ المُستَشرِقين، فساروا يُعبِّرُون عن الرسول بكلِمة محُمَّدٍ، ويُعبِّرون عن المدينة


(١) انظر: الموضوعات للصغاني رقم (٨١)، والمقاصد الحسنة للسخاوي رقم (٣٨٦)، والفوائد المجموعة للشوكاني رقم (١٧٤).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب فضائل المدينة، باب فضل المدينة، رقم (١٨٧١)، ومسلم: كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، رقم (١٣٨٢)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>