عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"لَا يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ"(١)، فبادٍ هذه اسمُ فاعِل ومَعناها ساكِن البادية، فيَوَدُّ هؤلاءِ أنهُمْ {بَادُونَ في الْأَعْرَابِ} أي: ساكِنون البادِية؛ لِأَجْل النَّجاة من هؤلاء الأَحزابِ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} جُمْلة حالِيَّة من الفاعِل في قوله تعالى: {بَادُونَ} يَعنِي: يَوَدُّ هؤلاءِ المُنافِقون أنهم في البادِية يَسأَلون عن أَنبائِكم، ولا يُشارِكونكم في القِتال، فبَيَّن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذُعْر هؤلاءِ المُنافِقين بوَجْهين:
الوَجْه الأوَّل: أنهم يَظُنُّون أن الأحزاب ما زالوا باقين، مع أن الأحزاب قد انصَرَفوا.
الوجه الثاني: أنه لو فُرِض أن الأحزاب رجَعوا فإِنهم يَتَمنَّوْن أنهم في البادية لا يَلحَقهم مُناوَشاتٌ ولا قِتال، وإنَّما يَسأَلون عن أنبائِكم، إِذَن فجُمْلة:{يَسْأَلُونَ} نَقول: إنها في مَوضِع نَصْب على الحال من فاعِل {بَادُونَ}.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ} هذه الكَرَّةَ {مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} رِياءً وخَوْفًا من التعيير] , يَعنِي:(لو) هذه شَرْطية، وجَوابها هنا مَقرون بـ (ما)، وإذا كانت (لو) الشَّرْطية مَقرونةً بـ (ما)، فإن الأكثَر ألَّا يَقتَرِن الجوابُ باللَّام؛ لأن (ما) للنَّفيِ، واللَّامُ للتَّوكيد واجتِماع حَرْف يَدُلُّ على التَّوكيد مع حَرْف يَدُلُّ على النَّفي فيه شيء من التَّعارُض والتَّناقُض، فتَقول: لو جاء زَيْدٌ ما كلَّمْتُك. ولا تَقول: لو جاء زَيْدٌ لمَا كلَّمْتُك. يَرحَمك اللَّه تعالى، لكن إذا كان جَوابُها مُثبَتًا فإن الكثير أن تَقتَرِن به اللَّام، تَقول: لو جاءَ زَيْدٌ لكَلَّمتُك؛ هذا الأكثَرُ، ويَجوز: لو جاء زَيْدٌ كلَّمتُكَ.
(١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل، رقم (٢١٥٠)، ومسلم: كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه، رقم (١٤١٣)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.