ولعَلَّ قائِلًا يَقول: كيف يُفسِّر الرجاءَ بالخَوْف؛ لأن الرَّجاء هو طلَب أو تمَنِّي ما كان قريبَ الحُصول، فكيف يُفَسِّره بالخَوْف؟
فيُقال: إن الرَّجاء يُطلَق على الخَوْف، ويُطلَق على الأمَل، فالرَّجاء في المَحبوب والخَوْف في المَكروه، ولا يَلزَم أن يُفَسَّر بما فسَّر به المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ بأن المُراد بالرَّجاء الخَوْف؛ لأن رَجَاء اللَّه واليَوْم الآخِر ثابِت أيضًا، الذي هو تَمَنِّي حُصول المَطلوب.
فإن ما عند اللَّه تعالى من الثَّواب لمَن تَأَسَّوا بالرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُوجِب الرَّجاء وما في اليَوْم الآخِر أيضًا من السَّعادة يُوجِب الرَّجاء أيضًا، فالذي يَظْهَر أن المُراد بـ (الرَّجاء) هنا مَعناه الحقيقيُّ الذي هو طلَب ما فيه، أو أن يَأمُل الإنسان ما فيه مَصلحة له وخَيْر له.
وقوله تعالى:{وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} المُراد به يَوْم القِيامة، وسُمِّي اليومَ الآخِر؛ لأنه لا يَوْمَ بعدَه؛ ولأن ذلك اليَوْم هو آخِر مَراحِل الخَلْق؛ لأن للإنسان في هذه الدُّنيا أربعَ مَراحِلَ: مَرحَلة في بَطْن أُمِّه، ومَرْحلة في الدُّنْيا، ومَرْحلة في البَرْزَخ، ومَرحَلة رابِعة يومَ القِيامة، فهذه أربَعُ دُور، فليس هناك ليلٌ ولا نَهارٌ، فكُلُّه لا ليلَ ولا نهارَ؛ لأن الشَّمسَ تُكوَّر وتُرمَى في النار.
وقوله عَزَّ وَجلَّ:{لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} يَقرُن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دائِمًا الإيمانَ به باليومِ الآخِر كثيرًا في القُرآن: {آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[النساء: ٣٩]؛ لأن الإيمان باليَوْم الآخِر يَستَلزِم العمَل؛ لأنك إذا آمَنْت بأن هناك يَوْمًا تُجَازَى فيه على عمِلك فسَوْف تَعمَل لذلك اليَوْمِ، بخِلاف الإنسان المُنكِر له، فالمُنكِر لليَوْم الآخِر لا يَعمَل له؛ لأنه يَعتَقِد أنه ما هناك إلَّا دُنيا فقَطْ؛ أرحامٌ تَدْفَع، وأَرْض تَبْلَع، ولا شيءَ! لكن إذا آمَن الإنسانُ باليَوْم الآخِر أَوْجَب له ذلك أَنْ يَعمَل.