فإن اللَّه تعالى بيَّن في هذه الآيةِ أنَّه لا يُمكِن أن يَدخُل الجنَّة إلَّا بعد هذه الأُمورِ، فيَكون مُتَضمِّنًا لوَعْد اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهُمْ أن يَرَوْا مثل هذه الأَشياءِ التي تُزَلزِلُهم، يَقول تعالى:{هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، وهذا دَليل على ثَباتهم وإيمانهم وصِدْق نَواياهم، لكِنِ المُنافِقون تَقدَّم أنهم كانوا يَهزَؤُون بالرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لما ضَرَب الحجَر الذي اعتَرَضهم في حَفْر الخَنْدق، وقال: إنه رأَى مَدائِن كِسرى وقُصورَ قَيصرَ واليَمَن؛ فقالوا:{مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} يَقول: يُريد أن يَملِك اليَمَن والشام والعِراق وهو الآنَ مُضَيَّق عليه هذا التَّضييقَ! ! هذا كَذِب! وليس بصحيح؛ لكنَّ المُؤمِنين قالوا:{هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، فهُمْ عكسُ هؤلاءِ المُنافِقين الذين قالوا:{مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}.
وقوله تعالى:{وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الصِّدْق هو الإِخبارُ بالواقِع على حَسب ما هو واقِع، وإن شِئْت فقُلْ: هو الإِخْبار المُطابِق للواقِع، وضِدُّه الكذِب؛ ويُقال: صَدَقَني الحديثَ. وصدَّقني الحديثَ. وبينهما فَرْق (صدَقَني الحديثَ) يَعنِي: أَخبَرني بالصِّدْق، و (صدَّقني الحديث) يَعنِي: قال: إن ما حدَّثْته به صِدقٌ، قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}[آل عمران: ١٥٢] مَعنَى {صَدَقَكُمُ}: أَخبَرَكم بالصِّدْق وبيَّن لكم أنَّ ما وعَدَكم به حَقٌّ، حين حسَسْتُموهم بإذْنه.
وقوله تعالى:{وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} في هذه الجُملةِ {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} سِيق هذا الكَلامُ على سبيل المَدْح، ولكنه قد يُشْكِل على بعضِهم: كيف قَرَن وَعْد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بوَعْد اللَّه تعالى بالواو؛ وقَرَن أيضًا صِدْق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصِدْق اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالواو؟ وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لرجُلٍ حين قال له: