ما شاءَ اللَّه وشِئْتَ، قال له النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَجَعَلْتَني للَّهِ نِدًّا"(١)، فكَيْف نَجمَع بين هذا وبين ما في هذه الآيةِ؟
الجَوابُ: أن يُقال: ما كان من أُمور الشَّرْع فإنه لا بَأْس أن يُضاف إلى اللَّه تعالى ورسولِه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالواو؛ لأن ما شَرَعه النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فهو من شَرْع اللَّه تعالى، كما قال اللَّه تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: ٨٠]، وأمَّا ما كان من أُمور القَدَر، فإنه لا يَجوز أن يُضاف إلى اللَّه تعالى ورسولِه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالواو، بل لا بُدَّ أن يَكون بـ (ثُمَّ)؛ وذلك لأن قُدْرة الإنسان ومَشيئة الإنسان تابِعةٌ لمَشيئة اللَّه تعالى وقُدْرته.
فمثَلًا: تَقول لرجُل سَألَك: ما حُكْم الصلاة جَماعةً؟ وأنت لا تَدْري ما حُكْمها؛ فتَقول: اللَّهُ ورسولُه أَعلَمُ؛ لأن هذا حُكْمٌ شَرْعيٌّ، وأمَّا إذا كان من الأُمور القَدَرية فإنه لا يُمكِن أن يُشرَّك غيرُ اللَّهِ تعالى مع اللَّه تعالى بالواو، وذلك لأن مَشيئة غير اللَّه تعالى وقُدرة غير اللَّه تعالى تابِعةً لمَشيئة اللَّه تعالى، ولا يُمكِن أن تَكون مُساوِيةً لها.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}: (ما زادَهُم) الفاعِل في {زَادَهُمْ} يَعود على رُؤية الأحزاب، يَعنِي: ما زادَهم رُؤيةُ هَؤلاء الأحزاب وتَأَلُّبهم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَّا إيمانًا.
يَقول المُفَسِّر: [{إِلَّا إِيمَانًا} تَصديقًا بوَعْد اللَّه تعالى {وَتَسْلِيمًا} لأَمْره] إيمانًا بالقَلْب وتَسليمًا بالجوارِح؛ لأن الإيمان محَلُّه القَلْب، والتَّسليم والانقِياد محَلُّه الجوارِح، والإنسان لا يَتِمُّ دِينه إلَّا بهَذين الأَمْرين: بالإيمان والتسليم، فمَنِ استَسْلَم ولم يُؤْمِن فهو مُنافِق، ومَن آمَن ولم يَستَسْلِم فهو مُستكبِر، فإذا اجتَمَع للإنسان
(١) أخرجه الإِمام أحمد (٥/ ٣٩٣)، وابن ماجه: كتاب الكفارات، باب النهي أن يقال: ما شاء اللَّه وشئت، رقم (٢١١٨)، من حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه-.