للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: "إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرًا" يُفيد أن هَؤلاءِ الكافِرين والمُنافِقين كانوا يُحاوِلون من النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ أن يُخالِف شريعته، ولكن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ قد لا يَعلَم بذلك؛ ولهذا قال: "إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرًا"

أي: هَؤلاء الكُفَّار والمُنافِقون {خَبِيرًا}.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَبِيرًا} والخَبير مُشتَقٌّ من الخِبرة، وهي: العِلْم ببَواطِن الأمور؛ ولهذا سُمِّيَ صاحِب الحرْث والزَّرْع خَبيرًا، وسُمِّيت المُزارعة مخُابَرة؛ لأن الحَبَّ يُدفَن في الأرض فيَكون باطِنًا غير ظاهِر، فالخَبير هو العَليم ببواطِن الأمور؛ إِذَنِ: الخبير أخَصُّ من العليم، لأن العليم يَشمَل العالِم بظواهِر الأمور وبواطِنها، لكن الخَبير أخصُّ، هو العالِم ببواطِن الأُمور، والعالِم بالبواطِن عالِم بالظواهِر من بابِ أَوْلى.

يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [وفي قِراءَة بالفَوقانية]، فيُقال: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} مهو، وقوله: "في قِراءَة"، في اصطِلاح المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أنه إذا قال: "في قِراءة" فهي سَبْعية، وإذا قال: قُرِئ، فهي شاذَّة.

وعلى هذا ففي الآية قِراءَتان سبْعيتان، تَجوز القِراءة بكُلٍّ مِنهما، وعندما نَقول: تَجوز. فليس مَعناه أن القِراءة بهذا وبهذا على حدٍّ سَواءٍ، لكنِ المعنى أن القِراءةَ بهما غيرُ مَمنوعة؛ لأن الأفضل أن تَقرَأ بهذه تارةً وبهذه تارةً، فإن اختِلاف القِراءات كاختِلاف العِبادات، وقد ذكَرْنا أن الأفضلَ في العِبادات الوارِدة على وجوهٍ مُتنوِّعةٍ: أن تَأتيَ بهذه مرةً وبهذه مرةً، لأجل أن تَكون قد عمِلت بالسُّنَّة في جميع وجوهها، كذلك في القِراءات الأفضل أن تَأتيَ بهذه مرَّةً وبهذهِ أُخرى بشَرْط أن تَكون عالِمًا بالقِراءة.

<<  <   >  >>