ولكن هذا القولَ الذي نَقوله إنما هو في قِراءة الإنسان الخاصَّة، أمَّا قِراءته على العامَّة، فإنه لا يَنبَغي أن يَخرُج عن القِراءة المَوْجودة بين أيديهم، لأن العامِّيَّ لا يُدرِك هذه القِراءاتِ أو لا يُدرِك اختِلاف هذه القِراءاتِ، فإذا قرَأْت القُرآن بغير ما بين يديه، فإنه سيُنْكِر عليك ولكن هذا الإنكارَ ربُّما تُجيب عنه، لكن سيَقَع في نَفْسه شيء من الشَّكِّ، يَقول: إِذَنِ القُرآن ما ضُبِط ما دام أَحَدهم يَقرَأ بهذا وأَحَدهم يَقرَأ بهذا؛ فيَقَع في قَلْبه شيء من الشَّكِّ، ولهذا يَنبَغي لنا أن نُحدِّث الناس بما تُدرِكه عُقولهم، كما في حديث عَليٍّ -رضي اللَّه عنه-: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"(١).
فالحاصِل: أن الإنسان -طالِب العِلْم الذي يَعرِف القِراءات- يَنبَغي له أن يَقرَأ أحيانًا بهذه وأحيانًا بهذه، ولكن هل يَجمَع بين القِراءَتَيْن؛ يَعنِي مثلًا هنا أَقول:"إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرًا"، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}؟
الجوابُ: لا، الأفضَلُ يَأتي بهذا مرَّةً وبهذا مرَّةً؛ لأنك إذا جمَعْت بين القِراءَتَيْن فقد خالَفْت، إذ إن مَن قرَأَها بالتاء لا يَقرَؤُها بالياء، فكيف يَجمَع بينهما؟ ! ولكن بعض أهل العِلْم رَحِمَهُ اللَّهُ يَقول: لا بأسَ أن تَجمَع بين القِراءَتَيْن، سواء كانت مُنفَصِلةً أو غير مُنفَصِلة، بمعنى أنه يَجوز أن تَقرَأ في القِراءَتَيْن في الآية الواحِدة، أن تَقرَأ بالقِراءَتَيْن في الآية الواحِدة، ويَجوز أن تَقرَأ في آية بقِراءة قارِئ وفي آية أُخرى بقِراءة قارِئٍ آخَرَ؛ وأمَّا الثانية وهي أن تَقرَأ في آية بقِراءة قارِئٍ وفي آية أُخرى بقِراءة قارِئٍ آخَرَ فهي جائزة.
(١) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم، كراهية أن لا يفهموا، رقم (١٢٧).