وأيضًا: فإن الزيادة والنُّقصان من الأمور المُتَقابِلة التي إذا وُجِد أحدُها انتَفَى الآخَر، ولا يُعقَل وجودُ أحدهما إلَّا بوجود الآخَر، فمثَلًا الزيادة لا تُعقَل إلَّا بنَقْص فنَقول له مثَلًا: أنت تَقول: إن فُلانًا أَزيَدُ إيمانًا من فُلان. مَعنَى ذلك أن المَزيد عليه ناقِص، ولا تَتَصوَّر غير هذا، فالصواب أن الإيمان يَزيد ويَنقُص، وأَسباب الزيادة والنُّقصان كما شرَحْنا قبلُ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الناس يَختَلِفون في الانقِياد والتَّسليم كما يَختَلِفون في الإيمان زيادةً ونَقْصًا؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}؛ لأن عامة المُؤمِنين كلهم مُنقادون للشَّرْع، لكن منهم مَن يَنْقاد بطُمَأْنينة وانشِراح وقَبول ومَحَبَّة، ومنهم مَن يُسْلِم على وجهٍ دون ذلك، فمنهم مَن يَأتي إلى الصلاة مثَلًا وهو يَرَى أنهما نِعْمة من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَأتي إليها مُقبِلًا غير مُدْبِر، نَشِطًا، مُنْشرِح الصَّدْر، مُحِبًّا لها، يَنتَظِر الصلاة بعد الصلاة بفارغ الصَّبْر.
ومِنهم أُناسٌ بالعَكْس يَأتون إلى الصلاة ولا يَتَخلَّفون، لكن ببُطْء وتَثاقُل وعدَم انقِيادٍ لها؛ إذَنْ فالناس يَختَلِفون في التسليم، ولهذا قال تعالى:{إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن التَّأمُّل في الآيات ووُضوح الآيات للعَبْد تَزيد في إيمانه وتَسليمه؛ لقوله تعالى:{وَمَا زَادَهُمْ} أي: ما رأَوْه من الأحزاب إلَّا {إِيمَانًا} باللَّه تعالى {وَتَسْلِيمًا} لشَرْعه.