وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: {مِنَ} للتَّبعيض؛ لأنها تُقدَّر بـ (بعْض)، واختَلَف النَّحويُّون في (مِن) التَّبعيضية فقال بعضهم: إنها اسْمٌ، وهي بحَسب العوامِل، لكن لا يَظْهَر عليها عمَل العامِل؛ لأنها حَرْف فيَنتَقِل العامل إلى ما بعدَها، ومنهم مَن قال: إنها حَرْف جَرٍّ، ولكن مَعناها: التَّبعيض وهذا هو الذي عليه أكثر] أهل النَّحو.
وقوله تعالى:{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} مَعنَى {صَدَقُوا} أي: قاموا بهم، كما تَقول: صدَق لي الوَعْد. يَعنِي: وفَى لي بالوَعْد، فهُمْ وفَوْا بما عاهَدوا اللَّهَ تعالى عليه من الثَّبَات مع النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْل: أبي بَكْر وعُمرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وكثير نَحوهم.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} مات أو قُتِل في سبيل اللَّه تعالى، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} ذلك {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} في العَهْد، وهُم بخِلاف حال المُنافِقين].
قسَّم اللَّه تعالى هؤلاءِ الرِّجال الذين صدَقوا ما عاهَدوا اللَّه عليه إلى قِسْمين: قِسْم قضَى نَحْبه يَعنِي: قَضى حَياته وقُتِل في سبيل اللَّه تعالى كحَمزةَ بنِ عبدِ المُطلِّب -رضي اللَّه عنه-، فإنه قُتِل شهيدًا في سبيل اللَّه تعالى، وكذلك بقية شُهَداء أُحُد.
ومنهم مَن يَنتَظِر القِتال في سبيل اللَّه؛ لأنه قد صدَق الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أو قَدْ {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، فهُم يَنتَظِرون أن يُستَشهَدوا, ولكن هل يَحصُل لهم ذلك أم لا؟ قد يَحصُل وقد لا يَحْصُل؛ ولهذا يُقال: إن خالدَ بن الوَليد -رضي اللَّه عنه- تَأسَّف في حال مرَضه أنه لم يُقتَل شهيدًا في سبيل اللَّه تعالى، يَعنِي: يَندَم أنه ما ترَك مَعرَكةً إلَّا خاضَها قال -رضي اللَّه عنه-: "وَهَا أنَّا أَموتُ عَلى فِراشِي كما يَموتُ الحِمارُ"(١)؛
(١) أخرجه الدينوري في المجالسة رقم (٨٣٦)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (١٦/ ٢٣٧).