لأنهم يُريدون أن يُستَشهَدوا في سبيل اللَّه تعالى.
قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} هذا مَعطوف على {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} أي: ومنهم رِجال ما بدَّلوا تَبديلًا؛ يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[في العَهْد] والتَّبديل في العَهْد يَشمَل نَقْضَه بالكُلية، ويَشمَل الإخلال بشيء من شُروطه يَعنِي: يَشمَل نَقْضه بالكُلية وعدَم الالتِفات إليه، ويَشمَل الإخلال بشَيْء من شُروطه.
قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} خبَر مُقدَّم {رِجَالٌ} مُبتَدَأ مُؤَخَّر، {صَدَقُوا} الجُمْلة صِفة للرِّجال {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} أَيْ: أنهم صدَقوا أَقوالهم بأَفْعالهم، فالعَهْد الذي عاهَدوا اللَّه تعالى عليه قاموا به ووفَوْا به.
واعلَمْ أن مَعنَى قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا} أن من المُؤمِنين رِجالٌ عاهَدوا اللَّه تعالى وصدَقوا ما عاهَدوا اللَّه تعالى عليه، وليس المَعنَى أن من المُؤمِنين رِجال صدَقوا ومِنهم مَن لم يَصدُق حتى يَتشبَّث به من سَبَّ الصَّحابة -رضي اللَّه عنهم-، أو قال: إنهم ليسوا كلُّهم صادِقين.
فالمَعنَى: أن من المُؤمِنين رِجالًا عاهَدوا اللَّه تعالى فصدَقوا ما عاهَدوا اللَّه تعالى عليه، بل مِنَ المُؤمِنين مَن لم يُعاهِد اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على شيء، بل هو مُستَمِرٌّ على طاعة رَبِّه، حيث ما أُمِر، ممَّن عاهَد اللَّه تعالى أنَسُ بنُ النَّضْر -رضي اللَّه عنه-، فإن أنَسَ ابنَ النَّضْر لم يَشهَد بَدْرًا، فلمَّا رجَع النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من بَدْر قال: يا رسول اللَّهِ، هذه أوَّلُ غَزوة قاتَلْتَ فيها المُشرِكين، واللَّهِ، لئِنْ أَبقاني اللَّهُ تعالى لَيَرَينَّ اللَّه ما أَصنَع. فلمَّا صارَتْ غَزوةُ أُحُد قاتَل -رضي اللَّه عنه- حتى قُتِل، فكانَتْ فيه بِضْعٌ وثَمانون ما بين طَعْنة