الْفَائِدَة الأُولَى: الثَّناءُ على أُولَئِك المُؤمِنين الذين عاهَدوا اللَّه تعالى فصدَقوه، وجهُ ذلك السِّياقِ {رِجَالٌ}، فإن {رِجَالٌ} نكِرةٌ للتعظيم، يَعنِي: رِجالًا عُظَماءَ صدَقوا ما عاهَدوا اللَّه تعالى عليه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن أُولَئِك الذين صدَقوا ما عاهَدوا اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منهم مَن تُوفِّي واستُشْهِد، ومنهم بَقِيَ، وقد ذكَّرْنا مثلًا بمَنِ استُشهِد وهو أَنَسُ بن النَّضْر -رضي اللَّه عنه-، فإنه استُشهِد في أُحُد، ووُجِد فيه بِضْعٌ وثمانون ضَرْبةً (١).
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَثنَى على هؤلاء أنهم أَتَوْا بما عاهَدوا اللَّه تعالى عليه على وجهِ الكَمال بدون نَقْص ولا تَغيير؛ لقوله تعالى:{وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن مَن مات سابِقًا ومَن مات لاحِقًا إذا كان سَواءً فيما قام به ممَّا يَجِب، فإنه لا فرقَ بين المُتقَدِّم والمُتأخِّر؛ لأنه قال تعالى:{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}، وجعَل الثَّناء عليهم واحِدًا، لكن في الأعمال الأخرى مَن تَأخَّر موتُه فازداد عمَلًا صالِحًا فهو أكمَلُ من الأوَّل، ولكنه بالنِّسبة لما اتَّفَق فيه من العمَل الصالِح لا فَرْقَ بين الأوَّل والآخِر.
* * *
(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب قول اللَّه تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، رقم (٢٨٠٥)، ومسلم: كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، رقم (١٩٠٣)، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-.