فالأعمال الصالحِة أسباب، وإلَّا فلو أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَراد أن يُعاوِضنا على أعمالنا مُعاوَضةً بمَعنَى المُعاوَضة لكان لو قابَلنا بنِعْمة واحِدة من نِعَمه علينا ما قابَلَت كلَّ أعمالنا، أو ما قابَلَتْها كلُّ أعمالنا, ولكن الأعمال سبَبٌ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{بِصِدْقِهِمْ} وإذا كان الجَزاء بالصِّدْق فسيَكون الجزاء على حَسب ذلك الصِّدقِ، فالذين صدَقوا ما عاهَدوا اللَّه تعالى عليه يَكون جَزاؤُهم على صِدْقهم بحَسب ما قاموا به، فإذا كانوا أَطوَعَ للَّه عَزَّ وَجَلَّ وأشدَّ تَنفيذًا لأوامِره وأكثَرَ فِعْلًا لطاعته صار جَزاؤُهم أكثَرَ، والعَكْس بالعَكْس.
وقوله تعالى:{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ} المُنافِق هو الذي أَظهَر الإيمان وأَبطَن الكُفْر، مَأخوذ من النافِقاء وهي نافِقاء اليَرْبوع الذي يَجعَلها في جُحْره حتى إذا أتاه أحَدٌ من بابه خرَج من هذه النافِقاءِ.
وقوله تعالى: [{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ} بأن يُميتَهم على نِفاقهم].
أَشار المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ في قوله:[بأن يُميتَهم على نِفاقهم] إلى أن تَعذيب المُنَافِقين المُعلَّق بالمَشيئة هنا ليس المَعنى أنه إن شاء عذَّبَهم وإن شاء لم يُعذِّبْهم، وقد ماتوا على النِّفاق؛ لأنهم إذا ماتوا على النِّفاق فقد أَخبَرَنا اللَّه تعالى أنهم في الدَّرْك الأسفَل من النار، وليسوا تَحتَ المَشيئة ويَكون قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِنْ شَاءَ} بأَنْ يَبْقَوْا على نِفاقهم حتى يَموتوا فإذا بَقُوا على نِفاقهم إلى الموت عَلِمنا أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد شاء تَعذيبهم، أمَّا إن هَداهم اللَّه فإن المُنافِقين قد اهْتَدْوا؛ ولهذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بأن يُوَفِّقهم للتَّوْبة، والصواب كما تَقدَّم كثيرًا أنَّ المُنافِق تَصِحُّ تَوْبته وهي نَصٌّ في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ