وقوله:{أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بأن يَمُنَّ عليهم بالتَّوْبة فيَتوبوا وحينئذٍ لا يُعَذَّبون.
وقوله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا} غَفور: هذه اسمُ فاعِل على صيغة المُبالَغة، يَعنِي: كثير المَغفِرة، ويَجوز أن تَكون صِفةً مُشبَّهة، أي: ذو مَغفِرة، والصِّفة المُشبَّهة أبلَغُ من اسمِ الفاعِل؛ لأن اسمَ الفاعِل يَدُلُّ على الفِعْل، والصِّفة المُشبَّهة تَدُلُّ على الوَصْف، أي: على اتِّصاف مَن هي وَصْفه بها دائِمًا.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{غَفُورًا} لمَن تاب] فيه شَيء من النَّظَر؛ لأن اللَّه تعالى يَغفِر حتى لمَن لَمْ يَتُب ممَّن هو تحت المَشيئة، كفاعِل المَعاصي، ولو أن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أَبقاها على إطلاقها لكان أَسلَمَ له، فقوله تعالى:{غَفُورًا} أي: كثير المَغفِرة أو ذو مَغفِرة مُتَّصِفٌ بها دائِما، وهذا أَقرَبُ كما قُلْت؛ لأنه يَدُلُّ على الوَصْف الدائِم، ويَدُلُّ عليه قوله تعالى:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}[الرعد: ٦].
وقوله رَحِمَهُ اللَّه: [{رَحِيمًا} به] يَقول: [به] أي: بمَن تاب، والصوابُ: أنه رحيم بمَن تاب وبغَيْره، وأن رحمةَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بالمَعنى العامِّ تَشْمَل المُؤمِن والكافِر، والبَرَّ والفاجِرَ، وكلَّ أحَد، كلُّ أحَدٍ، فإنه داخِل في رحمة اللَّه تعالى هذا بالمَعنَى العامِّ، أمَّا بالمَعنَى الخاصِّ فإن الرحمة تَختَصُّ بالمُؤمِنين.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: بيانُ حِكْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في المُجازاة عن العمَل، كقَوْله تعالى:{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الجزاء من جِنْس العمَل؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{بِصِدْقِهِمْ}،