الكذِب نَجاةً. فقال الثاني له: الصِّدْق أَنجَى. وصدَقَ.
واعلَمْ أن الصادِق وإن كان الأمر مُرًّا عليه في أوَّل أَمْره لكنه تَكون العاقِبة له في النهاية، وإذا أَرَدت مثَلًا على ذلك فانظُرْ إلى حال الثلاثة الذين خُلّفوا في غزوة تَبوكَ (١) كيف كان أوَّل أمْرهم؟ كانوا في تِلك المرارةِ العَظيمةِ حتى ضاقت عليهمُ الأرض بما رحُبَت، وضاقت عليهم أنفُسُهم، وتَنكَّرتِ الأرض لهم، حتى إن كعبَ بنَ مالِك -رضي اللَّه عنه- يَقول: حتى كأَنَّ الناس الذين على الأرض كأنهم ليسوا همُ الناس الذين أَعرِف؛ قال تعالى:{ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ}[التوبة: ١١٨]، والنَّتيجة أنه نزَلت فيهم آياتٌ تُتلى إلى يوم القِيامة، لولا هذا الصِّدْقِ ما بقِيَت هذه الآياتُ، حتى قِيل للناس: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} [التوبة: ١١٩]، فعِندما ذُكِرَت قِصَّتهم فهذا نهاية عظيمة جِدًّا للصادِقين، فأنت اصدُقْ وإن حصَل عليك ضرَر في أوَّل أَمْركَ، لكن العاقبة لكَ، ولا تُعوِّد نَفْسك الكذِب.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: ذَمُّ النِّفاق وأنه سبَب للعَذاب؛ لقوله تعالى:{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ}.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن المُنافِق له تَوْبة في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ شَاءَ}، فإنه يَشاء أن يُعذِّبهم إذا ماتوا على النِّفاق، أمَّا إذا تابوا فقد شاء ألَّا يُعذِّبهم، ولكن -كما تَقدَّم في تفسير هذه الآيةِ- تَوْبة المُنافِق ذُكِر فيها شُروط لا بُدَّ من مُراعاتها، قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ}[النساء: ١٤٦]،
(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، رقم (٤٤١٨)، مسلم: كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم (٢٧٦٩)، من حديث كعب بن مالك -رضي اللَّه عنه-.