و{الرُّعْبَ} بمَعنَى: الخَوْف، وإذا وقَع الخَوْف في القلب، فلا تَسأَل عن الخائِف، إذ يَظُنُّ أن الشَّجَر إنسانٌ، فلا يَتَصوَّر الأمور على حَقائقها حتى لو ناداه أحَدٌ من أصحابه ظنَّ أنه عَدُوُّه يُناديه؛ ليَقتُله، ولا أشدَّ من سِلاح يَفتِكُ بالعَدوِّ من الرُّعْب؛ ولهذا قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ"(١).
أمَّا إذا ثبَت القَلْبُ واطمَأنَّ فإن المُقاتِل سَيَثبُت كما قال اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الأنفال: ٤٥] وذِكْر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَطْمَئِنُّ به القُلوب، قال تعالى:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: ٢٨]، وأَخبَر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أن اللَّه تعالى أَنزَل على أهل بَدْر المطَر؛ لِيُثبِّت به الأقدام، وتَكون به السَّكينة.
والحاصِلُ: أن الرُّعْب من أشَدِّ الأسلِحة فَتْكًا للعَدوِّ.
وقوله تعالى:{فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه: [{فَرِيقًا تَقْتُلُونَ} مِنهم وهُمُ المُقاتِلة {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} مِنهم، أىِ: الذَّراري] فهُمْ لمَّا طال بهِمُ الحِصار، ونزَلوا على حُكْم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خيَّرهم قال:"مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِ؟ " قَالُوا: نُريد أن نَنزِل على حُكْم سعد بنِ مُعاذ. وكان سَعدُ بنُ مُعاذ -رضي اللَّه عنه- حَليفًا لهم فظَنُّوا أنه سيَفعَل مِثلَما فعَل عبد اللَّه بنُ أُبَيٍّ في حُلَفائه من اليَهود حين شفَع فيهم لرسول إلى رسول اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فتَرَكهم، لكن سعدًا -رضي اللَّه عنه- لمَّا جاء وكان في خَيْمةٍ له في المَسجِد؛ لأنه أُصِيب في الأحزاب في أَكحَله،
(١) أخرجه البخاري: كتاب التيمم، رقم (٣٣٥)، أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، رقم (٥٢١)، من حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-.