وضرَب له النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خيمةً في المسجد، ليَعودَه من قريب؛ لأنه سيِّد قَوْمه -سيّد الأَوْس- جاء على حِمار من مَسجِد الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلى مَكان الحِصار.
فأَخبَره النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بأنهم حكَّموه، فقال: حُكْمي نافِذ عليهم -ويُشير إلى الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أوَحُكْمي فيهم نافِذ؟ ! ويُشير إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ويُشير إليهم أيضًا فقالوا: نعَمْ! فالنبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وكذلك هَؤلاءِ اليَهودُ رَضُوا؛ فقال: لقَدْ آن لسَعْدٍ -رضي اللَّه عنه- أن لا تَأخُذه في اللَّه تعالى لومةُ لائِمٍ! هذا مَقام محِنةٍ عظيمةٍ، فحكَم فيهم -رضي اللَّه عنه- بحُكمٍ عظيم حُكمٍ صائِب مُطابِق للحقِّ، قال -رضي اللَّه عنه-: أَحكُم بأَنْ تُقْتَل مُقَاتِلتُهم، وتُسْبَى ذُرِّيَّتهُم، وتُغنَم أموالهم؛ فقال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ"، ثُمَّ أمَر النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بأن تُقتَل مُقاتِلتهم وهمُ الرِّجال البالِغون، وأمَّا الذَّراري من النِّساء والرِّجال غير البالِغين، فإنها تُسبَى والأموال تُغنَم، فقُتِلوا في المدينة ما بين السَّبْعِ مِئة إلى ثَمانِ مِئة (١).
فقُتِلوا في يوم واحِد بِناءً على حُكْمٍ همُ الذين رضُوا به، فإذا هو مَعنَى قوله تعالى:{فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا}.
وهنا قُدِّم المَفعول في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{فَرِيقًا تَقْتُلُونَ} وأُخِّر المَفعول في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} فهلِ الفائِدة من ذلك مُراعاة الفواصِل فقط
(١) هذا الخبر مجموع من عدة روايات منها ما أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب مرجع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأحزاب، رقم (٤١٢٢)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، رقم (١٧٦٩)، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-. وما أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل، رقم (٣٠٤٣)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، رقم (١٧٦٨)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-.