وتقديمُ الرأي على الوَحي لَهُ أقسام: منها ما يَصِل إلى الكُفْر، ومنها ما هو دون ذلك، فالذين يُقدِّمون الرأيَ على الوَحْي مع عِلْمهم بالوَحي مُعتَقِدين أن غير الوحي مُساوٍ له أو أَكمَلُ منه، أو أنَّه يَجوز الحُكْم بالرَّأْي المُخالِف للوَحي مع العِلْم به، هؤلاء يُعتَبرون كُفَّارًا.
وفي هذه الأحوالِ الثلاثةِ إذا اعتَقَدوا أن الرأيَ أَكمَلُ وأَنفَعُ من الوَحي، أو أنَّه مساوٍ له، أو أنه يَجوز تَقديمُه على الوحي مع العِلْم به، فهؤُلاء كُفَّارٌ، لأنهم حكَموا بغير ما أَنزَل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤].
وأمَّا مَن قدَّموه بتأويلٍ ظنًّا منهم أن ذلك لا يُخَالِف الوَحيَ، أو أنه طريق يُوصِّلهم إلى الوَحي، فهؤلاء لا يَصِلون إلى درَجة الكُفْر، وذلك مثل كثير من المُتعَصِّبين للمَذاهِب، فإنهم لا يَرَوْن أن هذه المذاهِبَ خارِجةٌ عن الوحي، وإنَّما يَرَوْن أن ذلك طريق إلى العمَل بالوحي، فيَقُولون: هذا إمامُنا أعلَمُ مِنَّا وأفْهَمُ، فنَتَّبعه ونَتَّهِم رأيَنَا بالنسبة إلى رَأْيه، وإلَّا فنحن مُتمسِّكون بشريعة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، محُكِّمين لكتاب اللَّه تعالى وسُنَّة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ونَقول: إنه إذا تَبيَّن لهم الحَقُّ وجَب عليهم اتِّباعُه ولو خالَف مَتبوعهم من الأئِمَّة؛ وذلك لأن الحقَّ لا يُخطِئُ والأئِمَّة يُخِطِئون، ولا يُمكِن أن يُدَّعَى العِصمةُ لأحَدٍ من البشَر إلَّا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا يُمكِن أن يَدَّعِيَ العِصمة إلَّا رجُلٌ ضالٌّ.