للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تَتَبرَّجْن، وحَذْف إحدى التاءَيْن في المُضارع كثير في القُرآن، ومنه قوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل: ١٤] أي: تَتَلظَّى.

إذَنْ: {وَلَا تَبَرَّجْنَ} فِعْلٌ مُضارع مَبنيٌّ على السُّكون، لاتِّصاله بنون النِّسوة في مَحَلِّ جَزْم بـ (لا) النَّاهيةِ.

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} أي: ما قَبْل الإسلام] {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}، التَّبرُّج في الأصل مَأخوذ من التَّعالي والتَّرفُّع، ومنه البُرْج الحِصْن المَنيع الرَّفيع كما قال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: ٧٨]، وكما في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان: ٦١]، أي: جعَل فيها كُتَلًا عظيمة من النُّجوم كالبُروج المُشيَّدة.

وقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ} أَيْ: تَتَعالَيْن وتَتَرَفَّعْن باللِّباس وغيره.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} هذا مَصدَر مُبيِّن للنَّوْع بالإضافة إلى الجاهِلية، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ}، ومَعلوم أن المَصدَر يَكون لبَيان العَدَد وبيان النَّوْع والتوكيد وغير ذلك ممَّا ذكَرَه أهلُ العِلْم بالنَّحوِ، وقوله تعالى: {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} أَضافَه إلى (الجاهِلية)؛ لأنه مَبنِيٌّ على الجهْل والسفَهِ؛ لأنَّ المرْأَة إذا تَبرَّجَت فإنَّ ذلك يُعْتَبر جَهْلًا منها وسفَهًا؛ ولهذا أُضِيفَ إلى الجاهلية، ثُمَّ أُضِيفَ إِلى الأُولى، وهل المُراد الأُولى زمَنًا؟ أو الأُولى مَرتَبة؟ أو كِلاهما؟ يَعنِي: هل مَعنَى (الجاهِلية الأُولى): الأعظم جَهْلًا من نَوْعها، كما يُقال: هذا هو الأوَّلُ في الجَهْل، هذا هو الأوَّلُ في السفَهِ، هذا الأوَّلُ في الإسلام، هذا هو الأوَّلُ في الإصلاح، وما أَشبَه ذلك، أو المُرادُ بالأُولى الأُولى من حيثُ الزَّمَن أو كِلاهما؟

كِلاهما في الواقِع فهي جاهِلية من الطِّراز الأوَّل من الجَهْل، وهي جاهِلية أُولى؛

<<  <   >  >>