وقوله تعالى:{مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}: {آيَاتِ اللَّهِ} لا شَكَّ أنها القُرآن كما قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}[العنكبوت: ٤٩].
والآياتُ هنا المُراد بها الآياتُ الشَّرْعية؛ فإنَّ آياتِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَنقَسِم إلى قِسْمين:
١ - آيات كَوْنية، وهي ما خلَقَه اللَّه تعالى ويَخْلُقه في هذا الكَوْنِ؛ فإنَ كلَّه آياتٌ علاماتٌ على خالِقه عَزَّ وَجَلَّ لما فيه من بَديع الصَّنْعة والنِّظام الحكيم البالِغ، الذي لا يَتناقَض ولا يَتنافَر؛ ولهذا قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[المؤمنون: ٩١]، وإذَا ذهَب كلُّ إله بما خلَق، لم يَكُنِ الكون مُنتظِمًا؛ لأنَّ كل إلهٍ يَخلُق على ما يُريد، ثُمَّ لا بُدَّ من عُلوِّ أحدِهما على الآخَر، لأنهما إن تمَانَعا وعجَز كل واحِد منهما عن الآخِر، لم يَصِحَّ أن يَكونا إلهين، وإن غلَبَ أحدُهما الآخَرَ فالمَغلوب لا يَصِحُّ، وحينئذٍ تكون الدَّلالة العَقْلية على أنه لا بُدَّ من إلَهٍ واحِد فقَطْ، وهو اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ المُهِمُّ: أن الآياتِ الكونيةَ كلُّ ما يَخلُق اللَّه تعالى في الكون.
٢ - أمَّا الآياتُ الشرعية فهي ما جاءَت به الرُّسُل من الوَحي، وسُمِّيَت آياتٍ؛ لأنها علامات على مُشَرِّعها ومُنزِلها؛ لما فيها مِنِ انتِظام المَصالِح، وانتِفاء المَفاسِد؛ فإن الشَّرْعَ كُلَّه تَحصيلٌ للمَصالِح، وتقليلٌ للمَفاسِد؛ ولذلك ما من شيء يَتَضَمَّنُ مَصْلَحَة رَاجِحة أو خالِصةٍ إلَّا أمَر به الشَّرعُ، وما من شيء يَتضَمَّن مَفسَدة خالِصةً أو راجِحة إلَّا نهَى عنه الشَّرْع؛ لكن من المَصالِح ما نُدرِكه بعُقولنا،