ومن المَفاسِد ما نُدرِكه بعُقولنا، ومنه ما لا نُدرِكه، ولكنَّنا نَعلَم عِلْم التقين أنَّ مُقتَضى حِكْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ومن أَسمائه الحكيم، أنه لا يُمكِن أن يَأمُر إلَّا بما فيه مَصلَحة؛ إمَّا خالِصة وإمَّا راجِحة، ولا يَنهَى إلَّا عما فيه مَفسَدة إمَّا خالِصة وإمَّا راجِحة؛ ولهذا سُمّيَتِ الكُتُب النازِلة من السَّماء آياتٍ؛ لأنها علامات على مَن شَرَّعها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى مَن أَنزَلها، قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢].
وهنا مَسأَلة بدَأَ الناس يَفعَلونها: يُقسِمون بآيات اللَّه تعالى، يَقول: قسَمًا بآيات اللَّه ما كان كذا وكذا. أو قسَمًا بآيات اللَّه لأَفعَلنَّ كذا وكذا. وفيه تَفصيل: إِنْ قَصَد الآياتِ الكونيةَ فهو حرامٌ؛ لأنه حلَف بغير اللَّه تعالى، حلَفَ بالمَخلوقات، وإن أَراد بالآياتِ الآياتِ الشَّرعية، فهو حلَفٌ بكلِمات اللَّه تعالى، والحلِف بكلِمات اللَّه جائِز؛ لأن كلِمات اللَّه تعالى من صِفاته، والغالِب على العامة حينما يُقسِمون هذا القسَمَ -فيما أَظُنُّ- هو الآيات الشرعية، أنهم ما يُريدون قسَمًا بآيات اللَّه تعالى، أمَّا قسَمًا بالشمس وبالقمَر وبالنُّجوم وبالليل وبالنَّهار، فلا يُقسِمون بهذا، بل (قسَمًا بآياتِ اللَّه) يَقصِدون بذلك القُرآنَ، وحينئذٍ يَكون هذا القسَمُ جائِزًا باعتِبار الدَّلالة العُرْفية على المُراد به، أمَّا لو نظَرْنا إلى لفظه فلا بُدَّ من التَّفصيل.
وعلى كل حال: الإِقْسام على المُصحَف هذا من البِدَع؛ لأنه لم يَرِد عن النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ والذي ورَد في تَغليظ الأَيْمان ما ذكَرَه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة المائِدة:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[المائدة: ١٠٦]، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{تَحْبِسُونَهُمَا} قبلَه {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} أي: صلاة العَصْر، وفي باب الدَّعاوَى: أنَّ التَّغليظ يَكون بالزمان، ويَكون بالمَكان، ويَكون بالهَيْئة،