للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الآيةُ أُمِروا بالسكوت ونُهُوا عن الكلام، فدلَّ هذا على أن القُنوت ليس مجُرَّدَ فِعْل الطاعة، بل هي طاعة مع ذُلٍّ وخُضوع، ودوامٍ.

وقوله تعالى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} القُنوت أَعلى ممَّا سبَقه؛ لأنَّ القانِت معه الإيمان والإسلام، كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩].

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} في الإيمان] الصِّدْق هو: الإخبار بما يُطابِق الواقِع؛ هذا الأصلُ في مَعنَى الصِّدْق، مثل: أن أَقول لك: إن هذه المَروحةَ تَشتَغِل. هذا صِدْق؛ لأنه إِخْبار بما يُطابِق الواقِع، ولو قُلت: إنَّ هذه المَرْوحةَ لا تَشتَغِل. لم يَكُن صِدْقًا، لأنه إخبار بما يُخالِف الواقِع، ولكن الصِّدْق هل هو في القَوْل فقَطْ أو يَكون الصِّدْق في القول والعمَل والعَقيدة؟ الجوابُ: الأخيرُ.

فيَكون الصِّدْق في العَقيدة: بأن يَكون الإنسان صادِقَ الإخلاص للَّه عَزَّ وَجَلَّ في كُلِّ أعماله، صادِقَ العَقيدة بحَيْثُ تكُونُ مُطابِقة لما جاء به الشَّرْع.

ويَكون الصِّدْق كذلك في الأقوال، بألَّا يَقول إلَّا صِدْقًا، ولو كان الأمر عليه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}.

وانظُرْ إلى نَتيجة الصِّدْق في قِصَّة الثلاثة الذين خُلِّفوا، يَعنِي: أُرجِئَ أَمْرُهم؛ لأنهم جاؤُوا وأَخبَروا بالصِّدْق، والمُنافِقون كانوا يَأتون يَقولون: يا رسول اللَّه، لنا عُذْر، ولنا عُذْر. فيَستَغفِر لهم ويَكِلُ سَرائِرَهم إلى اللَّه تعالى، لكن هؤلاء صدَقوا فخُلِّفوا عن الحُكْم عليهم بما حُكِم على المُنافِقين، وليس المُراد أنهم خُلِّفوا عن الغَزوة،

<<  <   >  >>