للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لو كان كذلك لقال: الذين تَخلَّفوا. هؤلاءِ الثلاثةُ وهم: كَعبُ بنُ مالِك، وهِلالُ ابنُ أُميَّةَ، ومُرارةُ بنُ الرَّبِيع -رضي اللَّه عنهم-، هؤلاءِ صدَقوا رسول اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وأَشَدُّ مَن تَكلَّم وأَبيَنُ مَن تَكلَّم وأَفصَحُ مَن تَكلَّم من هؤلاءِ الثَّلاثةِ كَعبُ بنُ مالِكٍ -رضي اللَّه عنه-، لأنه أَشبَهُم -رضي اللَّه عنه-، فتكلَّم كلامًا عَجيبًا، ويَحسُن بكم أن تُراجِعوا قِصَّته (١)؛ لأنها في الحقيقة تَزيد في الإيمان، هَؤلاءِ صدَقوا فكانت نَتيجةُ صِدْقِهم: أنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنزَل فيهم كِتابًا يُتلَى إلى يوم القِيامة، في مَدْحهم والثَّناء عليهم؛ حتى قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للناس كلِّهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩]، أمَّا الآخَرون فقال تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: ٩٥].

فانظُرِ الفَرْق بين الأَمْرين، هؤلاءِ كذَبوا فأَرْجَسوا -والعِياذُ باللَّه- وهؤلاءِ صدَقوا فرُفِعوا، فعَلَيْك بالصِّدْق فإن الصِّدْق يَهدِي إلى البِرِّ، وإن البِرَّ يَهدِي إلى الجنَّة، ولا يَزال الرجُل يَصدُق ويَتحرَّى الصِّدْق حتى يُكتَبَ عند اللَّه تعالى صِدِّيقًا.

فالمُهِمُّ أن {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} نَقول: في الإيمان، وفي القَوْل، وفي العمَل، فالصِّدْق في العمَل أن يَكون مُطابِقًا للباطِن؛ فلا تَعمَل رِياءً ولا سُمْعةً، ولا مُصانَعة، ولا مجُامَلة، ولا لأَجْل شيءٍ من الدُّنيا، مِثال ذلك رجُل أَخرَج من


(١) أخرجها البخاري: كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، رقم (٤٤١٨)، مسلم: كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم (٢٧٦٩)، من حديث كعب بن مالك -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>