للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَيْبه أَلفَ دِرهَم فتَصدَّق بها، لأنَّ الناس يُشاهِدونه، فقال: أُريد أن يَقولَ النَّاسُ: ما أَكرَمَ فلانًا! فهل صَدَق في فِعْله؟ ظاهِر فِعْله أنه للَّه تعالى صادِق، ولكنَّ حقيقة أَمْره العكسُ، فكان كاذِبًا، ومن الصِّدْق في الأقوال أو في الأَعْمال مُتابَعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنها دليل على صِدْق محَبَّة الإنسان للَّه تعالى ورسولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: ٣١]، فصار الصِّدْق في العَقيدة في القَوْل وفي العمَل.

وقوله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} لمَّا كان الصِّدْق قد يَتَرتَّب عليه من مجُاهَدة النَّفْس ما يَترتَّب؛ لأنَّ إخبار الإنسان بالصِّدْق ولا سيَّما على نفسه أَمْرٌ صَعْب، أَعقَبه بذِكْر الصَّبْر، يَعنِي كأنما يَقول: اصدُقْ واصبِرْ على صِدْقِكَ. فقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ}.

والصَّبْر في اللُّغة: الحَبْسُ، ومنه قولهم: قُتِلَ صَبرًا. يَعنِي: حَبْسًا.

وفي الشَّرْع: حَبْس النَّفْس عن التَّسخُّط والكراهة لحُكْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ والتَّضجُّر منه.

فقَوْلنا: لحُكْم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَشمَل الحُكْم الكَوْنيَّ والحُكْم الشَّرْعيَّ، وهذا التَّعريفُ يَشمَل أنواع الصَّبْر الثلاثةَ التي تَكلَّم عليها أهلُ العِلْم، حيث قالوا: إنَّ الصَّبْر ثلاثة أنواع: صَبْرٌ على طاعة اللَّهِ تعالى، وصَبرٌ عن مَعْصية اللَّه، وصَبْرٌ على أَقدار اللَّه تعالى المُؤلمِة.

فنَحنُ إذا قُلْنا: حَبْس النَّفْس عن التَّسخُّط والكراهة لحُكْم اللَّه تعالى. يَشمَل الأنواع الثلاثة، لأنه كلَّه حُكْم اللَّه تعالى الكَونيُّ والشَّرْعيُّ، فالكونيُّ يَتعَلَّق بالصَّبْر على أقدار اللَّه تعالى، والشَّرْعيُّ يَتعَلَّق بالصبر على طاعة اللَّه تعالى، وعن مَعصِيَته.

<<  <   >  >>