بهذا الوَصْفِ العَظيمِ، وهو ذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وهو شامِل لكل عِبادة، فكلُّ عِبادة فهي ذِكْر للَّه عَزَّ وَجَلَّ، حتى دِراسة العِلْم هي مِن ذِكْر اللَّه؛ ولهذا تُسمَّى حِلَق العِلْم حِلَقَ الذِّكْر، أو مَجالِسَ الذِّكْر، فكلُّ ما يُقرِّب إلى اللَّه تعالى كلُّ عِبادة فهي من ذِكْر اللَّه تعالى.
وذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَكون بالقَلْب، ويَكون باللِّسان، ويَكون بالجوارِح، فبالقَلْب التَّفكُّر، وباللِّسان النُّطْق، وبالجَوارِح الفِعْل والعمَل، أيُّها أفضَلُ: ذِكْر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باللِّسان، أو ذِكْر اللَّه تعالى بالقَلْب أو ذِكْر اللَّه تعالى بالجَوارِح؟
لا شَكَّ أن الجَمْع أَفضَلُ وهذا مَعلوم، فالقَلْب وحدَه لا يَكفِي، واللِّسان وحدَه لا يَكفِي، والجوارِحُ وحدَها لا تَكفِي، يَعنِي: لو أن الإنسان قال: سأَتفَكَّر في آيات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وفي أَسمائِه وصِفاته ولكن ليس بذاكِر، هل يَكون مُسلِمًا؟ لا بُدَّ أن يَقول مَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وكذلك أيضًا بالنسبة للجوارِحِ.
لكن لا شَكَّ أن اختِلال الذِّكْر بالقَلْب له أثَر عَظيم جِدًّا؛ لأن المَدار على القَلْب، ولا شَكَّ أيضًا أن تَأثيرَ ذِكْر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالقَلْب أَبلَغُ في تقوية الإيمان، وفي التَّقرُّب إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الذِّكْر بالجوارِح؛ لأن المَدار كُلَّه على ما في القَلْب، لا بالنِّسبة للأَعمال وقوام الأعمال ولا بالنِّسبة للجَزاء كما قال اللَّه تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق: ٩ - ١٠].
وذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَكون مُطلقًا في كل وَقْت، ويَكون مُقيَّدًا بأَحوال، ويَكون مُقيَّدًا بأَماكِنَ، ويَكون مُقيَّدًا بأزمان، فهو إِذَن أربعةُ أنواع:
١ - أمَّا المُطلَق فقد قال اللَّه تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١]، هذا في كلِّ وَقْت، في كل حالٍ، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا