للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالظاهِرُ لي: أنَّ الإنسان الذي يَترُك الشيء محُافَظةً على شرَفه وعلى سُمْعتِه فإنه يُؤجَر على ذلك؛ لأنه صان نَفْسه، وفي الحَديث: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً كَفَّ الْغِيبَةَ عَنْ نَفْسِهِ" (١)، ولا أَدرِي عن صِحَّته.

لكن الإنسان مَأمور بحِماية شرَفه بلا شَكٍّ، والذَّودِ عن نَفْسه، وإزالة التُّهْمة عنها، فإذا كانت هذه نِيَّتَه، فإنه يُؤجَر، لكن لا يُؤجَر أجرَ مَن ترَك الزِّنا للَّه تعالى، لأن بينهما فَرْقًا عظيمًا.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: التفصيلُ في ذِكْر الرِّجال والنِّساء، لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ. . .} وهذا وإن كان مَوْجودًا في القُرآن لكنه قَليل.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الإسلام غيرُ الإيمان، لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ}، والعَطْف يَقتَضي المُغايَرة، وقدِ اختَلَف الناس: هل الإسلام هو الإيمانُ؟ أو هلِ الإسلامُ هو الإيمانُ أو غيرُه؟ والصوابُ في ذلك التَّفصيلُ، فإذا أُطلِق الإسلامُ دخَل فيه الإيمانُ، وإذا أُطلِق الإيمانُ دخَل فيه الإسلامُ، و (أُطلِق) يَعنِي: ذُكِرَ مُفرَدًا، فقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩] يَدخُل فيه الإيمانُ لا شَكَّ.

وأمَّا إذا ذُكِرَا جميعًا فإنهما يَختَلِفان، ولهذا سَأَل جِبريلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإسلامِ، فذَكَر له أشياءَ، وسأَله عن الإيمانِ فذكَر له أَشياءَ تُخالِف الأُولى (٢)؛ فإذا ذُكِرَا جميعًا صار الإيمانُ في القَلْب والإسلام عَلانية في الجَوارح.


(١) لا أصل له، وانظر: كشف الخفاء للعجلوني رقم (١٣٦٧).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام، رقم (٨)، من حديث عمر -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>