يعني: واحِد هَمَّ بالسرِقة وأتَى بالسُّلَّم، ولمَّا أَراد أن يَصعَد رجَع لنَفْسه، وقال: لماذا تَسرِق ما دام أن اللَّه أَرْضاك، فعِندك مالٌ، ولسْتَ في حاجة إلى السرِقة. فتَرَكها؛ ونَقول: هو ليس عليه إِثْم السرِقة، ولا له أَجْر، لكن هل يَأثَم على فِعْل السبَب؟
الجَوابُ: يَأثَم على فِعْل السبَب هو الظاهِر، وإن كان أن الغاية لم يَصِل إليها، لكن نَقول: هذا السبَبُ الذي فعَلْت، وقد قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧ - ٨].
فهو لم يَرجع؛ لأن الأسباب الأُولى ما تَرَكها للَّه تعالى، إنما تَرَكها، لأنه نظَرَ أنه ليس بحاجة للسَّرِقة فتَرَكها.
ونَقول: أمَّا السَّرِقة فلا تَأثَم -وإن كُنْت قد نَوَيْتها في الأوَّل- لأنك ما فعَلْتها، وأمَّا فِعْل الأسباب، فإن هذه الأَسْباب محُرَّمة.
وهذا رجُل ترَك المَعصية لشَرَفه، يَعنِي: ترَك الزِّنا مع تيسُّره، لأنه رجُل شَريف، لا يُحِبُّ أن يَتَلوَّث بهذه الأخلاقِ السافِلةِ، فهل يُؤجَر أو لا يُؤجَر؟
الجَوابُ: أمَّا على تَرْك الزِّنا فالظاهِر: أنه لا يُؤجَر، لأنه ما ترَكَه للَّه تعالى، وأمَّا على حِماية شرَفه فإنه يُؤجَر، لأن الإنسان يَنبَغي له أن يُدافِع عن شرَفه، حتى إن النبيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لمَّا قال:"هَذِهِ صَفِيَّةُ", وهذا ليس لدَفْع التُّهْمة عن نَفْسه؛ لأن هذا شيء بعيد، لكن لِئَلَّا تَقَع التُّهْمة في أُولئِكَ فيَهلِكوا؛ ولهذا قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا"(١).
(١) أخرجه البخاري: كتاب الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، رقم (٢٠٣٨)، ومسلم: كتاب السلام، باب يستحب لمن رئي خاليا بامرأة. .، رقم (٢١٧٥)، من حديث صفية -رضي اللَّه عنها-.