للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قُلْت: أفلا يَجوز الكَذِب الأبيضُ؟

فالجَوابُ: ليس في الكذِب أَبيضُ، كلُّ الكذِب أَسوَدُ، وعند العوامِّ: الكذِبُ الأبيضُ هو الذي لا يَستَلزِم أَكْل المال، اكْذِبْ كما شِئْتَ، لكن لا تأكُلْ أَموال الناس بالكذِب، ولكنَّ هذا خِلافُ تَحذير النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حين قال: "إيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ".

وهل رُخِّص في شيء من الكَذِب؟

الجَوابُ: في الإصلاح بين الناس والحرْب وحديث الرجُلِ مع امرأته والمَرأةِ مع زَوجها (١).

لكن بعضَ أهلِ العِلْم يَقول: لم يُرخَّص في شيء من الكذِب إطلاقًا، وقال: إنَّ المُراد بالكذِب في هذا الحديثِ التَّوْريةُ، فالتَّوْريةُ كما هو مَعلوم كذِب من وجهٍ، وصِدْق من وَجْهٍ آخَرَ، فهي باعتِبار نِيَّة الفاعِل القائِل صِدْق، وباعتِبار ما فهِمَه المُخاطَب كذِب، فيَقولون: إنَّ عُموماتِ الحديث تَدُلُّ على الكذِب، ويُجمَع بينه وبين الحديث الذي فيه الاستِثْناء بأن هذا من باب التَّوْرية، وقالوا: إنَّ الإصلاح بين الناس إذا بُنِيَ على الكذِب فقد تَكون النَّتيجةُ فيما بعد عَكسيةً، إذا علِمَ المُتصالحِان فيما بعدُ أنَّ الأمرَ ليس على ما ذُكِر، فيُمكِن أن يَزيدَ الشَّقُّ، ويَنتَقِضَ


(١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه، رقم (٢٦٠٥)، عن ابن شهاب الزهري قال: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
وأخرج البخاري: كتاب الصلح، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس، رقم (٢٦٢٩)، ومسلم: رقم (٢٦٠٥)، من حديث أم كلثوم بنت عقبة -رضي اللَّه عنها-: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرًا، أو يقول خيرًا".

<<  <   >  >>