الصُّلْحُ، وقالوا أيضًا: إن الكذِب في الحرْب رُبَّما يُنتِج نَتيجةً سيِّئةً، حيث يَتبيَّن للعَدوِّ أنَّ الأمر ليس على ما قيل، مثل أن يُقال له: إن عندنا جَمْعًا كثيرًا، وما أَشبَهَ ذلك، بدون تَوْرية، فهذا خطَأ.
قالوا: وأيضًا حديثُ المَرأة، حديثُ الرجُل زوجتَه، وحديثُ المرأة زوجَها، هذا أيضًا لو أَجَزْنا الكذِبَ صارت مَشاكِلُ عظيمة، فيَجيءُ الرَّجُل يَقول: أنا عِنْدي مِليون ريالٍ، وعِندي مِئة سيَّارةٍ، وعِندي ثَلاثون بيتًا، وما أَشبَه ذلك، وما عنده إلَّا ثِيابُه، فتَقول المرأة: أنت كذَّاب، ولا تَصلُح زوجًا لي. وكذلك بالعكسِ فالمَرأةُ تُحدِّث زَوْجها يَقول: لم تَذهَبِين إلى السُّوق؟ فتَقول: أبدًا، ما عُمْري طَلَعْت للسُّوق، ولا أَعرِف السُّوق، ولا أَعرِف الرِّجال! فإذا الأَمْر بالعكسِ، ففيه خُطورة، ولهذا قال بعضُ أهلِ العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ: إن المُراد بذلك التَّورِية، والتَّوريةُ لا تَجوز إلَّا في حالين وهُما: الحاجةُ أو المَصلَحة.
فظاهِرُ الحديث الاستِثْناءُ: إن هذا من الكذِب الصَّريح، وأنه لا بأسَ به، ولكن حتى على القَوْل بأن الاستِثْناء يَعود على الكذِب الصَّريح دون التَّوْريةِ، يَجِب أن يُقال: هذا من المُباحِ، والمُباح إذا تَضمَّن ضرَرًا كان حرامًا، لأن القاعِدة عِندنا: كلُّ المُباحات يُمكِن أن تَجرِيَ فيها الأحكام الخَمسةُ، كلُّ ما كان مُباحًا فإنه يُمكِن أن تَجرِيَ فيها الأحكامُ الخمسةُ؛ ولهذا ذهَب بعض الأصولِيِّين إلى أنه ليس في الشريعة شيءٌ اسمُه مُباحٌ، يَعنِي: مُستَوِي الطَّرفَيْن، بل لا بُدَّ من تَرجيح، لكن جُمهور العُلَماء على أن المُباح ثابِت في الشَّريعة.
الحاصِلُ: أنه إذا كان الحديث صَريحًا في جواز الكذِب في هذه الأُمورِ الثَّلاثةِ فيَجِب أن يُقيَّد بما إذا لم يَتضَمَّن ضرَرًا، فإن تَضمَّن ضرَرًا مُنِع منه.