وفي هذه الآيةِ الكريمةِ:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ} من الجَعْل الكونيِّ، وأكَّدَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا النفيَ بحَرْف الجَرِّ الزائِد؛ لأن الحروفَ الزوائد من أدوات التوكيد؛ إِذَنْ: محُالٌ أن يَكون في الإنسان الواحِد قَلْبان، ولكن هل هذه الجُمْلةُ مُرادةٌ لذاتها أو مُرادة لغيرها؟
يَرَى المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ وجماعة من عُلَماء التفسير أنها مُرادةٌ لذاتها، وأنها نَفيٌ لأَمْر قدِ ادُّعيَ؛ ولهذا قال رَدًّا على مَن قال مِن الكفار: إن له قَلْبين يَعقِل بكُلِّ منهما؛ أفضَل من عَقْل محُمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ هذا ما ذهَبَ إليه جماعة من أهل العِلْم.
يَعني: أن هذا نَفيٌ لأَمْر قدِ ادُّعيَ وهو رجُل من الكُفَّار يَقول: إن له قَلْبين، وإذا كان له قَلْبان كان له عَقْلان، وإذا كان له عَقْلان كان أَفضَلَ من النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه ما له إلَّا قَلْب واحِد.
وذهَبَ بعض المُفسِّرين وعلى رَأْسهم الزُّهريُّ (١) رَحِمَهُ اللَّهُ إلى أن هذه الجُملةَ ليسَت مَقصودةً لذاتها؛ لأنها أمرٌ مَعلوم؛ لأنه ليس لإنسان قَلْبان، لكنها تَوْطِئة وتمَهيد
(١) أخرجه عبد الرزاق في التفسير (٣/ ٣٠)، ومن طريقه الطبري في التفسير (١٩/ ٩).