فكما أنكم تُقِرُّون بأنه لا قَلْبين لرجُل في جَوْفه، فكذلك ليسَتِ الزوجة أُمًّا؛ لأن اللَّه تعالى لم يَجعَل للإنسان أُمَّيْن كما أنه ليس له قَلْبان، وكذلك ليس هناك ابنٌ غير حَقيقيٍّ، ليس للإنسان ابنٌ خُلِق من مائِهِ وابنٌ نُسِب إليه ولم يُخلَق من مائِهِ، بل إن ابنك مَن خُلِق من مائِكَ؛ وهذا ما اختاره ابنُ كثير رَحِمَهُ اللَّهُ (١). على أن هذه الجُملةَ تَوْطئة؛ لأن انتِفاء القَلْبين في الجوف الواحِد أمرٌ مَعلوم، والقِصَّة التي ذَكَروها يُنظَر في صِحَّتها، وحتى لو صَحَّت، فإن هذا الذي يَقول: إنَّ له قَلْبين. ادِّعاؤه ذلك يَدُلُّ أنه لا قَلبَ له، لأن هذا أمر مُستَحيل.
يَقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}، فهل قوله تعالى:{فِي جَوْفِهِ} قَيْدٌ؟ يُعتبَر قيدًا شَرْطيًّا له مَفهوم، فيُقال: إن له قَلْبينِ خارِج جَوْفه؟ لا، ولكنها لِبَيان الواقِع؛ لأن من المعلوم أن القُلوب في الأجواف، وهذا كقوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}[الأنعام: ٣٨]؛ لأن قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} كقول الإنسان: ولا ماشٍ يَمشي برِجْلَين؛ لِبَيان الواقِع.
وإن كان بعض المُتأخِّرين في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}