للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل هو من بابِ النِّعْمة والعَطاء والفَضْل، فكيف جَمَع بين إِنْعام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وإنعام اللَّه تعالى بالواو الدالَّة على التَّشريك؟

فالجَوابُ أن نَقول: جمَع بينهما بالواو الدالَّة على التَّشرِيك، لأنَّ النِّعْمَتَيْن مخُتَلِفَتان، فالنِّعمة الأُولى من اللَّه تعالى بالإسلام، والثانية: النِّعْمة من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعِتْق، فلمَّا اختَلَفَتِ النِّعْمتان صارتِ الواو لا تَدُلُّ على الاشتِراك، لامتِناع الاشتِراك بين شَيْئَيْن مخُتَلِفَين.

قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالإعتاق وهو زيدُ بنُ حارِثةَ كان مِن سَبْي الجاهِلية اشتَراه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل البعثة وأَعتَقَه وتَبنَّاه، المَشهور أنَّ زيدَ بنَ حارثةَ -رضي اللَّه عنه- كان مَملوكًا لجديجةَ -رضي اللَّه عنها-، فوهَبَتْه للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، هذا هو المَعروف في السِّيَر (١)، وأيًّا كان فإنَّ زيدَ بنَ حارِثةَ -رضي اللَّه عنه- كان مَملوكًا للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ أَعتَقَه وتَبنَّاه أيضًا، فرَفَع مَعنَويَّاتِه بكونه أَضافَه إليه ابنًا له، وكان يُدعَى زَيدَ بنَ محُمَّدٍ (٢)، حتى أَبطَل اللَّه تعالى ذلك في قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠]، وبقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: ٤].

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} في أَمْر طلاقِها: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ} هُنا عَدَّى {أَمْسِكْ} بـ (عَلَى)، لأنَّها بمَعنى: اضمُمْ عليك زوجَك، يَعنِي: اجعَلْها مُنضمَّة عليك ولا تُفارِقْها.


(١) انظر: الاستيعاب (٢/ ٥٤٣)، والإصابة (٢/ ٤٩٥).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}، رقم (٤٧٨٢)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما-، رقم (٢٤٢٥)، من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>